شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   ماذا نستفيد من رمضان؟ (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=270770)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 06-06-2016 06:26 PM

ماذا نستفيد من رمضان؟
 
ماذا نستفيد من رمضان؟


الرهواني محمد




الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعِينه ونستَغفِره ونتوب إليه، ونعوذُ باللهِ مِن شرور أنفسِنا ومِن سيِّئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلاَ مضِلَّ له، ومَن يضلِل فلاَ هادِيَ له، وأشهَد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وَحدَه لاَ شريكَ لَه، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.


معاشر عمار بيت الله:
المسلم في عمره المحدود وأيامه المعدودة في الحياة، قد جعل الله له مواسم خير، وأعطاه من شرف الزمان والمكان ما يترقى به في مدارج الإيمان.


ومن تلكم المواسم، شهرُ رمضانَ المبارك، الذي أطل علينا بنفحاته، قال ربنا: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].


فشهر رمضان، من أعظم مواسم الطاعة والإقبال على الله، فهو شهر الصيام والقيام والقرآن، شهر الصبر والمواساة والتكافل والتراحم والإحسان شهر التناصر والتعاون، شهر الفتوحات والانتصارات.


شهرٌ كان الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم يُزِف لأصحابه البشرى بقدومه فيقول: (أتاكُم رَمضانُ، شَهرٌ مبارَك، فرَضَ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ عليكُم صيامَه، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ، للَّهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ)


فما المقصد من رمضان، ومن صيامه؟
أول مقصد من مقاصد صيام رمضان، هو تحقيق التقوى كما دل على ذلك قول ربنا جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].


فتقوى الله جل جلاله، أن يُعظِّم العباد شعائره، فيقيموا أحكامه ويحفظوا حدوده ولا يعتدوا على محارمه، قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، ليس في شهر رمضان فحسب، وإنما في رمضان وكذا في سائر شهور العام.


فالتقوى يا عباد الله ليست محصورةً في عبادات أو أماكن أو أوقات معينة، بل التقوى تشمل الحياةَ كلَّها.


تقوى الله ومراقبته، يجب أن تكون حاضرة مع المسلم أينما حل وارتحل في كل مكان وزمان، قال النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت).


مع نفسك، بأن تلزمَها اتباع الحق، وتمنعَها من الظلم والبغي.


في بيتك، مع زوجتك، مع أولادك، تجنبهم مواطنَ الهلاك.


عندما تخلو بنفسك ولا يراك إلا ربُّ الناس، أو حينما تكونُ مع الناس.


اتق الله في عملك في وظيفتك، في تجارتك، في أيها مهنة تمتهنها، أو أيِّ مسؤولية تتحملها، (اتق الله حيثما كنت).


التقوى يجب أن تُشكل عاصما من كل شر وفساد وفتنة وسوء وضرر، يجب أن تكون ضمانا لكل خير ومصلحة شريفة، وغاية نبيلة وهدف منشود، فتجعل المسلم يتقي كلَّ ما يضرَّه هو، أو يضرَّ غيرَه من أبناء مجتمعه.


*ومن المقاصد التي يرمز إليها هذا الشهر الكريم، إحلال قيم التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع، حتى يدرك الأغنياء ما يعانيه إخوانهم ممن أصابتهم الفاقة والفقر.


من مقاصد الصيام، أنه يُحيي في الإنسان، فضيلة الرحمةِ بالفقراء والمساكينِ والعطف عليهم...فالمسلم كلما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، تذكر إخوانه المحرومين الذين يذوقون ويلاتَ الفقر ومرارةَ الحِرمان وألمَ الجوعِ في سائر الأوقات وطُول العام...الأمرُ الذي يدفعه إلى السعي الحثيث ليُساهم في سد حاجات أهل الحاجة، والعملِ على تحسُّس معاناتهم والمشاركةِ في دفعها ما استطاع.


قيل ليوسف (عليه السلام)، وكان كثير الجوع، لم تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ فقال: إني أخاف أن أشبع فأنسى الجائع.


ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على التكافل والتراحم بين جميع أفراد الأمة دون تمييز فقال: (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسهرِ).


وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه).


وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضها بعضا).


فديننا دين التكافل والتعاون والتضامن والتراحم بين جميع مكونات المجتمع...


ديننا يدعو إلى التضحية والبذل والعطاء في سبيل إدخال السرور إلى قلوب كل الناس ومساعدتهم، يقول النبي صلّى الله عليه وسلم: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا،... وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ).


وقال علي بن أبي طالب: "إن الجنةَ لتُساق إلى من سعى لأخيه المؤمنِ في قضاء حوائجه ليُصلح شأنَه على يديه، فاستبقوا النعم بذلك".


وقال ابن عطاء: "إذا أردت أن تعرف قدرك عند الله، فانظر فيما أقامك وفيما استخدمك وفيما أشغلك، فإن اشتغلت بالمعالي والمنفعة فقدرك عند الله عظيم".


فإنها والله لقيم عاليةٌ حرَصَ عليها ديننا فرغب فيها وحث عليها، ليتمَّ التكافل في بناء المجتمع حتى يصبحَ قويا صامدا، وتصبحَ القلوب لينة طاهرة، فالغني يعطف على الفقير، والفقير يحب الغني، لا حسد ولا ضغينة ولا بغضاء، مجتمع متماسك متراحم متعاون، تسوده المحبة والرحمة والإخاء.


*القصد من صيام رمضان، الانتقال من حالة الصلاح الفردي إلى حالة صلاح وإصلاح جماعي، أن نجعل من محراب صلاتنا في ظلمة الليل، منارا ننير به ميدان الحياة الواسع.


يجب أن نوسع فهمنا في معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (وجُعلت ليَ الأرض مسجدًا وطهورا)، ليس ذلك دلالة على الطهارة وإمكانية الصلاة فحسب، وإنما توسيعا لرسالة المسجد ورسالةِ الدين والدعوةِ لتشمل الأرض كلها.


فلا يكفي أن تكون طائعا قانتا متبتلا في مسجدك، بينما يكون غيرك ساهيا لاهيا مذنبا خارج جدران المسجد.


المقصود من رمضان أن نجعله خطوة نحو التغيير، فربنا سبحانه يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].


خطوةً نحو التغيير لمن كان مفرطاً أو متهاونا أو مضيعا للصلاة.


خطوةً نحو التغيير لمن هجر القرآن الكريم، هجره أحد عشر شهرا.


خطوةً نحو التغيير للغارقين في بحور الذنوب والمعاصي بأن يسارعوا بالتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى فهو القائل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الزمر: 53]


خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الكذب بأن يعتاد الصدق ويتحلى به، فمن لازم الصدق وتحرى الصدق كتب عند الله صديقا.


خطوةً نحو التغيير لمن اعتاد تسخير جوارحه في الحرام، بأن يحفظها ويسخرها في طاعة ومرضاة الله.


خطوةً نحو التغيير لمن كان مخاصما لأحد من الناس بأن يعفو ويصفح ويحسن: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]


خطوةً نحو التغيير لمن قَطَعَ رَحِمَه بأن يصلها، فمن وصل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله.


فإن لم تتغير النفوس وتنضبط في رمضان، فهل عساها تتغيرُ وتنضبط من بعده؟

الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.


معاشر المؤمنين والمؤمنات:
إنه قد مرّ علينا أحد عشر شهرا، الله وحده أعلم ما أسلفنا فيها، الله وحده أعلم بالذنوب التي تراكمت على أظهرنا، وبالخطايا التي سودت صحائفنا، وبالتقصير والإهمال الذي انتاب أيامنا وليالينا.


وهذا شهر عظيم مبارك قد أظلنا، فلنستقبله بإخلاص القلب وتصحيح النية وتجديدها، والإقبال على الله، والعزم على التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، استجابة لنداء الله لنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8]، والإنابة إليه سبحانه: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 54].


فلنحرص على استقبال رمضان، ولنحسن استغلال أيامه ولياليه فيما يقربنا من مولانا، ولنتعرض لنفحات ربنا، ولا نكن ممن همهم في استقباله بتنويع المأكولات والمشروبات، وإضاعة الأوقات والصلوات، فسرعان ما تمر وتنقضي الأيام، حتى يقال، انتهى رمضان، فعندها يفوز أهل الطاعة ويندم المفرطون وأهل العصيان.


فهذا زمن المصالحة، هذا أوان التجارة الرابحة، فلنبادر في هذا الشهر إلى كل خير ممكنٍ مستطاع، فإنه مَن ربح وفاز في هذا الشهر فذلك الفوز العظيم، ومن حُرم وخسِر فذلك الحِرمان والخُسران المبين.


ومما يجب أن نحرص عليه التفقه في أحكام الصيام.


نسأل الله أن يبلغنا رمضان، وأن يوفقنا لصيامه وقيامه، وأن يجعلنا من المقبولين المرحومين فيه، وأن لا يجعلنا من المطرودين المحرومين، إنه ولي ذلك وهو الجواد الكريم.







المصدر...


الساعة الآن 05:03 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM