شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   عودة إلى الحياة السعيدة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=270743)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 06-06-2016 06:26 PM

عودة إلى الحياة السعيدة
 
عودة إلى الحياة السعيدة


د. علاء شعبان الزعفراني














عاش الصحابة في ظل القرآن والسنة، فكانوا حقًا سادة الدنيا وقادة العالم، فتحوا البلاد شرقً وغربًا، فتحوا القلوب قبل البلاد، وأخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.



واليوم ما الذي حدث وكيف حدث؟ انهارت قوة الأمة - إلا من رحم الله- وخارت العزائم، وزال عنا التمكين والاستخلاف، وأصبحنا أذلة بعد أن كنا أعز الناس.



وكل ما أصابنا من ضعف وخور وفقر وجهل وتسلط للأعداء علينا إنما هو من عند أنفسنا ببعدنا عن ديننا بعد انتشار البدع والجهل بحقيقة هذا الدين، لذا كانت خطبتنا اليوم بعنون: "الحياة السعيدة"....



أولاً: صور من الحياة قبل الإسلام:

إن نظرة عاجلة إلى الحياة قبل الإسلام تشعرنا بعظم النعمة التي امتن الله علينا بها ألا وهي الإسلام، فإن الناس قبل الإسلام كانت معرفتهم بالله نظرية، حيث كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ويكفرون بتوحيد الألوهية. ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106].



﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [لقمان: 25].



1-عبادة الهوى:

فالهوى كان ربًا معبودًا من دون الله، ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43].



عَجِبَ نَبِيّه صلى الله عليه وسلم مِنْ إِضْمَارهمْ عَلَى الشِّرْك وَإِصْرَارهمْ عَلَيْهِ مَعَ إِقْرَارهمْ بِأَنَّهُ خَالِقهمْ وَرَازِقهمْ , ثُمَّ يَعْمِد إِلَى حَجَر يَعْبُدهُ مِنْ غَيْر حُجَّة .



عن أبي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ قال: "كُنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ وَأَخَذْنَا الْآخَرَ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ طُفْنَا بِهِ"[1].



2- العادات والتقاليد:

فكان لا يجرؤ أحد على مخالفة الآباء والأجداد، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170].



بل وكانت القبيلة ربًا يعبد ويطاع ولا يجرؤ أحد من أفرادها على المخالفة، كما قال دُريدُ بنُ الصِّمَّة:[2]

وهَل[3] أَنا إِلا من غَزِيَّةَ إِن غَوَتْغَوَيْتُ وإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُد



1- الانحطاط الخلقي:

عن عَائِشَةَ قالت: "النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا.



وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ.



وَنِكَاحٌ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ، كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ، وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ، فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ، تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ.



وَنِكَاحُ الرَّابِعِ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ، لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا، كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمْ الْقَافَةَ، ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ، وَدُعِيَ ابْنَهُ، لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ"[4].



ومازالت تلك حالهم، حتى أشرقت شمس النبوة المحمدية، فارتفعوا من دركات الشرك والخرافة إلى ذروة الإيمان، وهذا هو عنصرنا الثاني ....



ثانيًا: صور من الحياة بعد الإسلام:

إننا الآن مع الجيل الذي تم فيه اللقاء بين المثال والواقع، فترجم مثاليات الإسلام إلى واقع، وارتفع بالواقع البشري إلى درجة المثال، فهم الذين عايشوا الجاهلية ثم أنشأتهم العقيدة نشأة جديدة، فلا غرابة بعدها أن تحفل سيرهم بالأعاجيب ومنها:

عن ابْنَ مَسْعُودٍ قال: "شَهِدْتُ مِنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَشْهَدًا، لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ. فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ. يَعْنِي: قَوْلَهُ.[5]



عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ قَالَ فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ قَالَ حَتَّى هَمَّ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ، فَدَعَوْتَ اللَّهَ عَلَيْهَا. قَالَ: فَفَعَلَ. قَالَ: فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ بِبُرِّهِ وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ، قُلْتُ: وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَى؟ قَالَ: كَانُوا يَمُصُّونَهُ وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ. قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهَا حَتَّى مَلَأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ..."[6].



عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: "جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ حِينَ جَهَّزَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَيْشَ الْعُسْرَةِ قَالَ فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ: "مَا ضَرَّ ابْنُ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ" يُرَدِّدُهَا مِرَارًا [7].



عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: "لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نَتَحَامَلُ، فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا رِئَاءً، فَنَزَلَتْ ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 79] [8].



قال أسلم مولى عمر بن الخطاب: خرجت ليلة مع عمر إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بصرار إذا بنار فقال: يا أسلم ههنا ركب قد قصر بهم الليل، انطلق بنا إليهم، فأتيناهم فإذا امرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة على النار وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، قالت: وعليك السلام.



قال: أدنو.

قالت: ادن أو دع.

فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد.

قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: من الجوع.

فقال: وأي شئ على النار؟ قالت: ماء أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر.



فبكى عمر ورجع يهرول إلى دار الدقيق فأخرج عدلا من دقيق وجراب شحم، وقال: يا أسلم احمله على ظهري، فقلت: أنا أحمله عنك.



فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟

فحمله على ظهره وانطلقنا إلى المرأة فألقى عن ظهره وأخرج من الدقيق في القدر، وألقى عليه من الشحم، وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل لحيته ساعة، ثم أنزلها عن النار وقال: إيتني بصحفة. فأُتى بها فغرفها ثم تركها بين الصبيان، وقال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا -والمرأة تدعو له وهي لا تعرفه- فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، ثم أوصلهم بنفقة وانصرف، ثم أقبل عليَّ فقال: يا أسلم، الجوع الذي أسهرهم وأبكاهم"[9].



فأي شفافية هذه التي نسجها الإيمان؟! وأي عاطفة يبعثها؟!

يوم كانت الأمة كذلك كنا سادة الدنيا وقادة العالم، ورواد البشرية، وتحقق فيهم قوله ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].



ومازال الأمر كذلك حتى ظهرت الفرق، ونشأ الخلاف في العقيدة، وظهرت البدع، وبدأ الكيان الإسلامي الكبير يهبط تدريجيًا حتى وصلت إلى الحضيض السحيق في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين.



لكن السؤال الآن: كيف تأتى للأمة التي ارتفعت إلى تلك القمم الشاهقة أن تتدنى إلى هذا الدرك من الضياع والذل والهوان الذي وصلت إليه اليوم.

الجواب: الأحوال التي وصلت إليها الأمة سببها تفريطها وتهاونها في أمر دينها، حين وقع في الأمة كثير من الانحرافات التي لم تعالج علاجًا حاسمًا، لذا سأحاول خلال الخطب القادمة -إن شاء الله- الوقوف على الداء لنعرف كيف نعالجه لنعود إلى القمم السامقة.





[1] أخرجه البخاري (4377).

[2] شرح ديوان الحماسة للمرزوقي صـ 337.




[3] هل للنفي وغزية قومه والمعنى ما أنا إلا من غزية في حالتي الغي والرشاد فغوايتي ورشادي متعلق بغوايتهم ورشادهم.




[4] أخرجه البخاري (5127).




[5] أخرجه البخاري (3952).





[6] أخرجه مسلم (27).




[7] حسن: أخرجه أحمد في المسند (20630)، والترمذي (3701) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقال المناوي في تخريج أحاديث المصابيح (5/283): رجاله موثقون، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.




[8] متفق عليه: أخرجه البخاري (4668)، ومسلم (1018).




[9] البداية والنهاية (7 /154).









المصدر...


الساعة الآن 05:56 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM