شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   الموسوعة الضخمة المتنوعة ------------ رمضان (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=298)
-   -   استقبال شهر رمضان (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=270632)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 06-06-2016 06:26 PM

استقبال شهر رمضان
 
استقبال شهر رمضان


خميس النقيب







يهلُّ علينا شهر كريم، ومَوسم عظيم، وضيف رحيم، فطوبى لمن أحسن زيارته، وأكرم وفادته، وأجمَلَ ضيافته، فيه الحبل المتين، والنور المبين، والهدى المعين؛ ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].

فيه تتيسر الأسباب، وتُفتح الأبواب، وتُعتق الرقاب، وتتنزَّل فُيوضات رب الأرباب، وهو شهر تُغفر فيه السيئات، وتعظم فيه الهبات، وتُرفع فيه الدرجات، وتتنزَّل فيه الرحمات، ولله في كل ليلة منه عتقاء من النار، فيا سعادة من تعرَّض لنفحات ربه، واستقبَل جوده بنية صادقة، وقابَلَ إحسانه بالطاعة والقناعة؛ عسى أن تصيبه نفحة من نفحاته، وفرحة من أفراحه، فيَسعد سعادةً لا يَشقى بعدها أبدًا!

شهر تُصفَّد فيه الشياطين، وتُسلسَل فيه الملاعين، ويُكبل فيه الشريرون، ويَنطلق فيه الخيرون.. كيف؟
((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، ويُنادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عُتقاء من النار؛ وذلك كل ليلة))؛ رواه الترمذي.

لذلك كان الصحابة والتابعون لا يَملون من دعائهم: "اللهم بلغنا رمضان"، فإذا ما عاشوه وعايشوه صيامًا وقيامًا، تطوُّعًا وإكرامًا، خشوعًا وإحسانًا، يقولون: "اللهمَّ كما سلمتنا رمضان تسلمه منا مُتقبَّلًا"، إن بلوغه نعمة، وحضوره فرحة، وقضاءه رحمة يفرَح بها المؤمنون، ويسعد بها الصالحون؛ ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

كيف لا وهو:
دواء لكل داء، وزاد لكل سفر، وشفاء من كل مرض، ووقاية من كل خطر؟ وكما أنه لكل شمس أنوار، ولكل ليل نهار، فإنه لكل عبادة أسرار، ولكل طاعة ثمار، ثمرة تجمَع بين الطاعات، وتستخرج من كل العبادات، ثمرة يانعة وارفة الظلال، ووقاية عاصمة من كل ضلال؛ إنها تقوى الله، اتقاء الشهوات، اتقاء الشُّبهات، اتقاء المعاصي والسيئات، اتقاء النار يوم تبدَّل الأرض والسموات.

فعلينا أن نستعد لهذا الشهر الكريم، والاستعداد لاستِقباله يكون بأمور، منها: التوبة النصوح إلى الله؛ لأن الذنوب تحول بين العبد والخير، فتكون عائقًا عن القيام بالأعمال الصالحة، فإذا تاب مِن ذنوبه، انبعثت النفس بالطاعات وأقبلَت عليها.


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: 8].

فهل من توبة؟ وهل من حوبة؟ وهل مِن أوبة؟ هل مِن عودة إلى الله قبل رمضان؟ إنه شهر مغفرة الذنوب ولو بلغَت عنان السماء!

((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ متفق عليه.
((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ متفق عليه.
((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه)).
الإسلام يتوعد مَن لم يستفِد من حلول هذا الضيف، وقدوم هذا السوق، وهلال هذا الشهر، كيف؟
قال صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل عليه السلام، فقال: رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ أدرك أحد أبويه أو كليهما فلم يَدخل الجنة، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف مَن أدرك رمضان فلم يُغفر له، فقلت: آمين)).

أسباب عظيمة لمغفرة الذنوب، ومداخل كريمة لستر العيوب، وأبواب مفتوحة لنيل الثواب، فمن أدرك رمضان ولم يُغفر فيه ذنبه، فقد خاب وحُرِم خيرًا كثيرًا.

ومما يُستقبل به الشهر: النيَّة الصادقة على الاجتهاد فيه في الطاعات؛ فإن النية الصالحة من أسباب عون الله للعبد وتوفيقه؛ فإن يعلم الله أن بداخلك خيرًا وسلامًا، وإخلاصًا وشفافية، يأتِك بالخير الأفضل والأعم؛ ﴿ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 70]، وهنا تنزل السكينة والطمأنينة على قلوب الصالحين؛ لما فيها من إيمان وتقوى؛ ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18].


النية الصالحة سبب لتوفيق الله لعبده؛ لذلك يجب على العبد المسلم أن يعقد النية على فعل الخيرات في رمضان، والاجتهاد في ذلك، فكأنه يقول بلسان الحال: لئن أدركتُ رمضان، ليرينَّ اللهُ ما أصنع!

كيف لا وهو موسم عظيم من مَواسم السعادة في الحياة؟ وسوق رائج من أسواق التجارة مع الله؟ ورصيد هائل من أرصدة النجاة؟ ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].

كيف لا وطالما توفَّرت النية الخالصة كانت الأعمال ناجِحة، والخُطوات فالحة، والتجارة رابحة مع أكرم الأكرمين، وأصدق الصادقين؟!
وإذا كان التجار يستعدُّون للمواسم التي تُضاعف فيها الأرباح، يُجرِّدون دفاترهم، ويُراجعون حساباتهم، وينظرون أعمالهم، ويَعودون لربهم، فالمؤمن يستعدُّ لهذا الموسم العظيم الذي تتضاعف فيه الأجور بغير حدٍّ ولا مقدار؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

قال صلى الله عليه وسلم: ((كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم؛ فإنه لي، وأنا أجزي به؛ يدع شهوته وطعامه من أجلي))؛ أي: إن الأعمال تُضاعف إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم؛ فإنه يضاعف بغير حدٍّ ولا مِقدار.

وينبغي للعبد الإكثار من الدعاء بأن يُعينه الله على مرْضاته في هذا الشهر؛ فإنه ليس الشأن بلوغ الشهر فحسب، بل بالتوفيق فيه للطاعات؛ فكم من إنسان بلَّغه الله الشهر، لكنه لم يُوفَّق فيه للخير، بل ربما ارتكب الكبائر فيه.

فليُكثر المسلم من الدعاء الذي علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل: ((اللهم أعنِّي على ذكرك، وشُكرك، وحسن عبادتك)).

يقول ابن تيمية رحمه الله: تأمَّلت أنفع الدعاء، فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته.

في القرآن: أُردفت آيات الصوم بهذه الآية: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

قال ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية: وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء، متخلِّلةً بين أحكام الصيام - إرشادٌ إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدَّة، بل وعند كل فطر.

وفي السنَّة: ((ثلاثة لا تُرَدُّ دعوتهم: الصائم حتى يُفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم؛ يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي، لأنصرنَّك ولو بعد حين))؛ رواه الترمذي، وحريٌّ بمن أدمن قرع الأبواب أن يفتح له.


سُئل الشيخ الشنقيطي: بماذا تنصحني لاستقبال مواسم الطاعات؟
فقال: خير ما يُستقبَل به مواسم الطاعات: "كثرة الاستغفار"؛ لأن ذنوب العبد تَحرمه التوفيق، وما ألزَمَ عبدٌ قلبَه الاستغفارَ إلا زَكَا، وإن كان ضعيفًا قوي، وإن كان مريضًا شفي، وإن كان مُبتلى عُوفي، وإن كان محتارًا هُدي، وإن كان مضطربًا سكن، وإن الاستغفار هو الأمان الباقي لنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول ابن كثير رحمه الله: ومَن اتصف بهذه الصفة - أي: صفة الاستغفار - يسَّر الله عليه رزقه، وسهَّل عليه أمره، وحَفظ عليه شأنه وقوَّته، اللهمَّ بلِّغنا رمضان.
تأمَّلوا قوة العبارة: عندما قالها عمر بن الخطاب: "لو نزلت صاعقة من السماء، ما أصابت مُستغفرًا".
أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه..
اللهمَّ بلِّغنا رمضان، ووفقنا لصيامه وقيامه، وتسلمه منا متقبلًا..


المصدر...


الساعة الآن 04:46 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM