شبكة ربيع الفردوس الاعلى - المدخل المختصر إلى سيرة خير البشر (مع بيان ثمرات دراسة السيرة النبوية)

مذكرة مختصرة قمتُ بتقديمها كمحاضرة بأحد مساجد مدينة رأس الوادي -الجزائر-.وقد استفدت مادتها من مجموعة من البحوث والمقدمات في السيرة النبوية.

المدخل المختصر إلى سيرة خير البشر:

تمثّل السيرة النبوية العطرة أحد الكنوز العظيمة التي يجب الاستفادة منها، كنز لا تنقطع عجائبه وفوائده وعبره.
وتزداد أهمية دراسة السيرة النبوية إذا وضعنا في الحسبان أنها لا تتناول حياة رجل عاديّ، بل إنها دراسةٌ لتاريخ أعظم مخلوق وُجد على وجه الأرض منذ نزول آدمﷺ وإلى يوم القيامة.
نعم، إنها دراسةٌ لحياة مَن تربّع على عرش عظماء التاريخ.
نحن لا نقارن عظمة رسول الله ﷺ بعظمة بوذا في رهبنته أو كونفشيوس في فلسفته أو هتلر في تخطيطه ودهائه أو ستالين في سيطرته وسطوته، أو أنشتاين في عبقريته، كما فعل -مثلاً- صاحب كتاب "الخالدون المائة" مايكل هارت، الذي عقد مقارنة بين عظماء التاريخ الأكثر تأثيراً في العالم فجعل أولهم محمدًا ﷺ ، هذا الكتاب الذي يفرح به الكثيرون ظنًّا منهم أن الغربيين أنصفوا حبيبنا محمدا ﷺ، لكنهم ما أنصفوه إذ قارنوه بهؤلاء، نحن نقارن رسول الله بنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، وبكل أنبياء الله عليهم أجمعين الصلاة والتسليم.نحن نقارنه أيضًا بالملائكة الكرام بل نقارنه بأفضل الملائكة جبريل عليه السلام، فإن النبي ﷺ لما وصل إلى سدرة المنتهى ومعه جبريل لم يستطع روحُ القدسِ جبريل التقدم خطوة واحدة، وقال له: لو تقدمت خطوة واحدة لاحترقت. أما محمد ﷺ فقد مكنّه الله من ذلك وتقدّم ليقف عند سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى ليكلم ربه جل وعلا ليس بينهما ترجمان.
هذا الرجل له مقام عظيم عند الله تبارك وتعالى، وعلى قدر هذه العظمة يجب أن يكون اهتمامنا بسيرته، بل وبكل دقيقة مرت في حياته الشريفة.
لو تلاحظون، فإن كل عظيم من عظماء التاريخ –بزعمهم- قد برع وبرز في جانب واحد من جوانب الحياة، وكذلك البشر عموماً يتفوقون في مجال ويتأخرون في مجال آخر، لكن هذا الرجل تفوق في كل المجالات مطلقًا؛ تفوق في عبادته، في معاملاته، في شجاعته، في كرمه، في حلمه، في زهده، في تواضعه، في حكمته، في ذكائه، تفوق سياسياً واقتصاديا وحربياً، والسبب -إخوة الإيمان- أنه مكلَّم بالوحي، ومُرسَل من ربه سبحانه وتعالى، لذلك زكى الله تعالى نبينا ﷺ تزكية ما زكاها لأحد من الخلق.
- زكاه في "عقله" فقال جلا وعلا : "ما ضل صاحبكم وما غوى"
- زكاه في "بصره" فقال جلا وعلا : "ما زاغ البصر و ما طغى"
- زكاه في "فؤاده" فقال جلا وعلا : "ما كذب الفؤاد ما رأى"
- زكاه في "صدره" فقال جلا وعلا : "ألم نشرح لك صدرك"
- زكاه في "ذكره" فقال جلا وعلا : "ورفعنا لك ذكرك"
- زكاه في "طهره" فقال جلا وعلا : "ووضعنا عنك وزرك"
- زكاه في "معلمه" فقال جلا وعلا : "علمه شديد القوى"
- زكاه في "صدقه" فقال جلا وعلا : "و ما ينطق عن الهوى"
- زكاه في "حلمه ورحمته" فقال جلا وعلا : "بالمؤمنين رؤوف رحيم"
- زكاه "كله" فقال جلا و على : "وإنك لعلى خلق عظيم" ...
فنحن ندرس سيرة الإنسان الذي خاطبه الله بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
بل هذا الرجل أقسم الله به وبحياته فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} الله أكبر... حياة يقسِم بها ربنا تبارك وتعالى حقيق وحري بنا أن نتعرف عليها ونتدارسها.
إنه الرجل الذي جعل الله تعالى الشهادة بنبوته شرطاً لدخول الجنة وتُرفع هذه الشهادة خمس مرات في اليوم والليلة بعد الشهادة لله بالوحدانية.
إنه الرجل الذي لن ندخل الجنة إلا خلفه.
أول من يُبعث من الخلائق يوم القيامة، حامل لواء الحمد صاحب المقام المحمود والحوض المورود. الرجل الذي لن يحاسِب الله الخلائق يوم القيامة إلا بعد شفاعته تلك الشفاعة التي أشفق منها أولوا العزم من الأنبياء والمرسلين.
إنه الرجل الذي شاهد الجنة والنار بعيني رأسه، ووصل إلى مكان لم يصل إليه بشر ولا ملك، حتى الملائكة لم تصل إلى المكان الذي وصل إليه محمد ﷺ.
هذا هو محمد ﷺ الذي ندعوكم للجلوس إلى مائدة سيرته، فهلمُّوا وأبشروا بما يشرح الصدور ويُحِل السرور ويبعث الغبطة والحبور...... نبدأ الآن مع مبادئ علم السيرة ...

....يتبع

المصدر...