شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   الموسوعة الضخمة المتنوعة ------------الحج و العمرة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=299)
-   -   مقصد التغيير من رحلة الحج (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=195910)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 09-15-2015 12:31 AM

مقصد التغيير من رحلة الحج
 
مقصد التغيير من رحلة الحج


د. عبدالمنعم نعيمي









أحبَّتي يرعاكم اللهُ تعالى برعايته، ويَحفظكم بحفظِه، لقد منَّ الله - جلَّ وعلا - على أمَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم بمواسِم، تتنزَّل فيها رحماتُه عزَّ وجلَّ وتعرض لكلِّ مؤمنة ومؤمِن، ومسلِمةٍ ومسلِم.



رحماتٌ مَن تعرَّض لها نال خيرَها وبركتها، وفاز ونَجا، ومن حُرِم فضلَها ويُمنها خاب وخسِر، ولا يُحرَم خيرَها وبركتها وفضلها ويُمنها إلاَّ من أُفِك وحُرم، ألاَ فتعرَّضوا لها، واستكثِروا منها؛ فإنَّه لا يأنَف عن التعرُّض لها، والاستكثار منها إلا أَشِرٌ أو محروم.



وإنَّ من هذه المواسم التي تتنزَّل فيها الرحمةُ وتُرفع النِّقمة، ويعمُّ فيها الخيرُ ويندفع الشرُّ - مَوْسِمَ الحجِّ الأكبر الذي تفِد فيه قلوبُ وأبدان الحجَّاج إلى بيت الله الحرام؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، والذي جاء في فضله نصوص كثيرة، هذا طرفٌ منها:

قول الله جلَّ وعلا: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]، فالحجُّ يَفتقر إلى التقوى ويُورثها قلبَ الحاجِّ وجوارحَه.



وقوله: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 27 - 30].



فالحجُّ عِبادة جامِعة لعباداتِ البدَن؛ كالصَّلاة والطواف...، والعبادات الماليَّة؛ كالصدقة والإطعام وشراء الهَدي والأُضْحِيَّةِ، والحجُّ فيه مَنافع كثيرة من تحصِيل الأجر والمَثوبة، ونَيل رِضا الله عزَّ وجلَّ وامتثال أمرِه في الحجِّ، وإذلال الشَّيطان ودَحره والذَّهاب بنفخَته، والاستنان بهدَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مناسِك الحجِّ وشعائره المهيبة، وتحقيق الوحدَة والاجتماع المطلوب شرعًا، الذي قد لا يحصل بين المسلمين في موضعٍ آخر، لا فرق بين ذَوي الهيئة والرُّتبة والرِّفعة وغيرهم إلاَّ بتقوى الله جلَّ وعزَّ.



وعن فضلِه أيضًا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن حجَّ هذا البيت فلم يرفُث ولم يفسُق، رجع كيومَ ولدَتْه أُمُّه))[2].



وقال أيضًا: ((والحجُّ الـمبرُورُ ليس له جزاءٌ إلاَّ الجنَّة))[3]، وفي لفظٍ: ((وليس للحجَّة الـمبرُورة ثوابٌ إلاَّ الجنَّة))[4].



وفي الصحيح: ((وأنَّ الحجَّ يهدمُ ما قبلَه))[5].



هي إذًا فريضة الحجِّ، والركن الخامِس من أركان الإسلام، التي تترجم سنَّة التغيُّر والتغيير الإنساني الذَّاتي والمجتمعي، هذه السنَّة التي بثَّها الله تبارَك وتعالى فيما افترضَه علينا من عباداتٍ، وشرعه لنا من قُربات، نحن نتعبد اللهَ تعالى لأنَّنا مأمورون شرعًا بذلك في نحو قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ومن المعلوم البيِّن أنَّ العبادة هي الميدان المناسِب للتحفيز على همَّة التغيُّر ونهمة التغيير.



نحن في فريضة الحج مدعوون لأنَّ نُغيِّر ذواتنا وطبائعَنا وطريقةَ تفكيرنا وسَمْت حياتنا، كما يُريده منَّا ربُّ العِزَّة الله عزَّ وجلَّ ورسولُه صلى الله عليه وسلم؛ حتى نرجع وقد تغيَّرنا التغيُّر الإيجابيَّ المقصود شرعًا من تشريع فريضة الحجِّ في قوله تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28]، وقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((مَن حجَّ هذا البيت فلم يرفُث ولم يفسُق، رجعَ كيومَ ولدَتْه أُمُّه))[6].



إنَّ الحجَّ رحلة مبارَكة، النَّاس فيها سواسِية كأسنان المشط، لا مجال فيها للحديث عن المقامات والرُّتَب الدنيويَّة والسلطانيَّة، الكلُّ فيها بثوبٍ أبيض واحد، ولتحقيق هدفٍ واحد: التعبُّد لله تعالى بما افترضَه على عبيده الحجَّاج من مناسِك الصَّلاة والطَّواف والسَّعي والنَّحر والذِّكر والدُّعاء والتلبية...، وتحصيل مقاصِد الحجِّ ومنافِعه في تجسيد التغيير المأمول والمطلوب منهم شرعًا.



يقصد الحاجُّ بيتَ الله تعالى الحرام في رِحلة فريدة ينشد منها تخليةَ قلبه وجوارحه مِن قبيح الأخلاق، وران الشَّهوات، وفاسد السلوكيَّات؛ التي لا ثواب فيها ولا خَلاق؛ حتى لا يكاد يَقفل الحاجُّ راجعًا إلى دياره إلاَّ وقد غُفرَت له ذنوبُه بفضل الله تعالى وكرمه ومَنِّه، وخرج منها كيوم ولدَته أمُّه كما تقدَّم من حديث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.



في هذه الرحلة ينسك الحاجُّ المناسكَ، ويسلك المسالِك، ويجوب المشاعِر، ويفعل الشعائر، وكلُّه فيض من المشاعر؛ مشاعِر الإيمان والتقوى، وهي زاده في هذه الرِّحلة، كما قال جلَّ وتعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]، ومن حصَّل التقوى في الحجِّ، واستثمر هذه القِيمة المعنويَّة والروحيَّة في فريضة الحج، حظي بمنَّة التغيُّر وإصلاح الذَّات المنشود من وراء تشريع هذه الفريضة المبارَكة.



والسؤال: كيف يستشعر الحاجُّ أنَّ رِحلة الحجِّ قد غيَّرَته تغييرًا إيجابيًّا؟

يقول الحسن في معنى الحجِّ المبرور: "أن يرجع - يقصد الحاج - زاهدًا في الدُّنيا، راغبًا في الآخرة"؛ فمن رأى أنَّ نفسَه صارت طيِّعة لأمر الله تعالى، وأنَّ قلبه مُقبلٌ على الله تعالى، وأنَّ جوارحه راغِبة في مزيد الطَّاعة، وأنَّ الآخرة أصبحَت أكبر همِّه ومبلَغ عِلمه، وهي مُنيته وبُغيته، فليَعلم أنَّ الله تعالى قد منَّ عليه وتكرَّم، فنفحات الحجِّ قد خالطَت شغافَ قلبه، وتمكَّنَت من جوارحه بتوفيقٍ من الله سبحانه، ولن يرتدَّ على أمر ربه جلَّ وعلا سخطة، وليسأل ربَّه جلَّ في علاه الثَّبات والاستقامة.



هذا هو الاستثمار الحقيقي لرحلة الحجِّ، الذي يحظى بآثاره الباهِرة من حجَّ لله تعالى خالِصًا وصادقًا لا رياء وسُمعة، ومن لَزِم في الحجِّ أخلاقه وآدابَه ومقاصده وغاياته التي أَمر بها الله تعالى وبيَّنها في مِثل ما تقدَّم معنا من نصوص.



وقد تقدَّم قول الله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]، والشاهد قولُه تعالى: ﴿ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾؛ فهذه أَخلاق الحاجِّ في الحجِّ.



ومن أخلاقه أيضًا: تعظيم شعائره سبحانه، واجتناب الرِّجس مِن الأوثان وقول الزُّور، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30].



أيضًا عن أخلاق الحاجِّ: تقدَّم قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((من حجَّ هذا البيت فلم يرفُث ولم يفسُق، رجع كما ولدَتْه أُمُّه))[7].



أمَّا الحديث إجمالاً عن مقاصد الحجِّ، فقد تقدَّم ذِكر طَرف يسير منه، وقد تقدَّمَت في ذلك وأوضحَته الآية: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28].



على الحاج أن يتنبَّه: إنَّ تغيير الذَّات وإصلاح النَّفس لا يَحصل من طريق الحجِّ إلاَّ لمن قصد من حجِّه رِضا ربِّه سبحانه وتعالى، وقصد من حجِّه تحصيل تَقوى خالقِه تبارك وتعالى، وقصد من حجِّه الإخلاصَ لبارئه عزَّ وتعالى؛ فإنَّ آفَة بعض الحجَّاج أنَّهم يقصدون بيتَ الله الحرام لينالوا ألقابًا، فكان حظُّهم من حجهم السُّمعةَ والعُجب والرِّياء، للأسف لم يُغيِّر الحجُّ في أنفسهم شيئًا، فحقَّ أن يكون الحرمان من ثَواب الحجِّ لهم جزاءً وفاقًا.



وهنا أضيف: على الحاجِّ أن يسأل نفسَه قبلَ مسيرِه إلى بيت الله تعالى؛ بل عندما يعقد العزمَ والنيَّة على الحجِّ - سؤالاً فيه خَلاص حجِّه من شوائب الشِّرك والرياء والسُّمعة: لماذا أريد أن أحجَّ؟



هل أحج سياحةً؟ أم تجارة؟ أم سمعة ورياء؟ أم نفاقًا؟ أم عجبًا وكبرًا؟ أم لعلِّي أحج لأُذْكَر ويُشار إليَّ بالبنان؛ فيُقال ها هو ذا الحاج؟ أم أنَّني أحج لله جلَّ وعلا صادقًا مُخلِصًا مُنيبًا مُحتسبًا الأجرَ والثوابَ من الله ربِّ العالمين كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196]؟



ومنتهى الكلام أنَّ الحاجَّ يَحظى بفرصة حقيقيَّة لم يَحظ بها غيرُه ليتغيَّر التغيير الإيجابي، وهو مَقصَد شرعيٌّ مَرعيٌّ بنصوص الشَّريعة وأحكامها، تغيير يُصيب به الحاجُّ الفلاحَ في الدَّارين، ويرتقي به في عِلِّيِّين، هذا التغيير الذي سيَجعل منه شامَةً بين إخوانه؛ في سَمته وظَاهر حاله، وسببًا في إصلاح من يتعيَّن عليه إصلاحهم وتغييرهم؛ أهله وأقاربه، وإخوانه وجيرانه ومجتمعه، فيجمع الحاجُّ بين التغيير الذَّاتي والتغيير المجتمعي (الإصلاح والنصيحة، وتغيير المنكَر، والدَّعوة إلى الله تعالى).



وكلُّ النَّاس يَغدو في الحجِّ فبائعٌ نفسَه؛ فمُعتقها بإتمام حجِّه لله تعالى وحده لا شريك له، وموبِقُها بمبطلات حجِّه ومُفسداته المرتبطة بأعمال قلبه وجوارحه.




[1] د/ عبدالمنعم نعيمي: تخصص شريعة وقانون - كلية الحقوق - جامعة الجزائر1 - إمام، أستاذ سابقًا.

[2] رواه البخاري ومسلم.


[3] رواه البخاري ومسلم.

[4] رواه النسائي والترمذي.

[5] رواه مسلم.

[6] رواه البخاري ومسلم.

[7] رواه البخاري ومسلم.





المصدر...


الساعة الآن 12:12 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM