مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 37)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 36)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=347176 ثم دخلت سَنَةُ سَبْعٍ وثلاثين اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَوَاقِفٌ هُوَ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , كُلٌّ مِنْهُمَا فِي جُنُودِهِ , بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: صِفِّينَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْفُرَاتِ , شَرْقِيِّ بِلَادِ الشَّامِ , وَقَدِ اقْتَتَلُوا فِي مُدَّةِ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ كُلَّ يَوْمٍ , وَفِي بَعْضِ الْأَيَّامِ رُبَّمَا اقْتَتَلُوا مَرَّتَيْنِ , وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا , وَالْمَقْصُودُ أنَّه لمَّا دخل شهر المحرم , تحاجَزَ القوم رجاء أن يقع بينهم مُهادنة ومُوادعة يؤول أَمْرُهَا إِلَى الصُّلْحِ بَيْنَ النَّاسِ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ , فَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ ررر , وَيَزِيدَ بْنَ قيس الأرحبي ررر وشَبث بْنَ رِبْعِيٍّ , وَزِيَادَ بْنَ خَصَفَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ , فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ - وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى جَانِبِهِ - قَالَ عَدِيٌّ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ : أَمَّا بَعْدُ يَا مُعَاوِيَةُ , فَإِنَّا جِئْنَاكَ نَدْعُوكَ إِلَى أَمْرٍ يَجْمَعُ اللَّهُ بِهِ كَلِمَتَنَا وأمْرَنا , وتُحقن به الدماء , وتأمَنُ به السُّبل , ويَصلحُ ذَاتُ الْبَيْنِ , إِنَّ ابْنَ عَمِّكَ ( علي ) سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ , أَفْضَلُهَا سَابِقَةً , وَأَحْسَنُهَا فِي الْإِسْلَامِ أَثَرًا , وَقَدِ اسْتَجْمَعَ لَهُ النَّاسُ , وَقَدْ أَرْشَدَهُمُ اللَّهُ بِالَّذِي رَأَوْا , فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ غَيْرُكُ وَغَيْرُ مَنْ معك مِن شيعتك , فأنت يَا مُعَاوِيَةُ لَا يُصِبْكَ اللَّهُ وَأَصْحَابَكَ مِثْلَ يَوْمَ الْجَمَلِ . فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : كَأَنَّكَ إِنَّمَا جئتَ مُهَدِّداً ولم تأتِ مُصْلِحاً , هيهاتَ واللهِ يَا عَدِيُّ , كَلَّا وَاللَّهِ , إِنِّي لِابْنُ حَرْبٍ , لَا يُقَعْقَعُ لِي بِالشِّنَانِ , أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكَ لمن المُجْلِبِين ( المحرِّضين ) على ابن عفان , وإنك لَمِنْ قَتَلَتِهِ , وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَقْتُلُهُ اللهُ به . وتكلم شبثُ بْنُ رِبْعِيٍّ , وَزِيَادُ بْنُ خَصَفَةَ , فَذَكَرَا مِنْ فَضْلِ عَلِيٍّ , وَقَالَا : اتَّقِ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةُ , ولا تُخَالِفْهُ , فَإِنَّا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ أَعْمَلَ بِالتَّقْوَى , وَلَا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا , وَلَا أَجْمَعَ لِخِصَالِ الْخَيْرِ كُلِّهَا مِنْهُ . فَتَكَلَّمَ مُعَاوِيَةُ , فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَى الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ , فَأَمَّا الجماعة فَمَعَنا هِيَ , وَأَمَّا الطَّاعَةُ , فَكَيْفَ أُطِيعُ رَجُلًا أَعَانَ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ , وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ ؟ وَنَحْنُ لَا نَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا نَتَّهِمُهُ بِهِ , وَلَكِنَّهُ أَوَى قَتَلَتَهُ , فَيَدْفَعَهُمْ إِلَيْنَا حَتَّى نَقْتُلَهُمْ , ثُمَّ نَحْنُ نُجِيبُكُمْ إِلَى الطَّاعَةِ والجماعة " . فقال له شبثُ بْنُ رِبْعِيٍّ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةَ , لَوْ تمكَّنْتَ مِن عمَّار , أَكُنتَ قاتِلَهُ بعثمان ؟ قال معاوية : لَوْ تَمَكَّنْتُ مِنَ ابْنِ سُمَيَّةَ مَا قَتَلْتُهُ بعثمان , ولكني كنتُ قَتَلتُه بغلامِ عثمان . فقال له شبث بْنُ رِبْعِيٍّ : وَإِلَهِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ , لَا تَصِلُ إلى قَتْلِ عمارَ حتى تَنْدُرَ ( تطير ) الرؤوسُ عَنْ كَوَاهِلِهَا , وَيَضِيقُ فَضَاءُ الْأَرْضِ وَرَحْبُهَا عَلَيْكَ . فقال مُعَاوِيَةُ : لَوْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ , كَانَتْ عَلَيْكَ أَضْيَقَ . وَخَرَجَ الْقَوْمُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ , فَذَهَبُوا إلى علي فأخبروه بما قال مُعَاوِيَةُ . وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيَّ , وَشُرَحْبِيلَ بن السمط , ومَعْنَ بن يزيد بن الأخنس ررر إِلَى عَلِيٍّ , فَدَخَلُوا عَلَيْهِ , فَبَدَأَ حَبِيبٌ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ خَلِيفَةً مَهْدِيًّا , عَمِلَ بِكِتَابِ اللَّهِ , وَثَبَتَ لِأَمْرِ اللَّهِ , فَاسْتَثْقَلْتُمْ حَيَاتَهُ , وَاسْتَبْطَأْتُمْ وَفَاتَهُ , فَعَدَوْتُمْ عَلَيْهِ فَقَتَلْتُمُوهُ , فَادْفَعْ إلينا قَتَلَتَهُ إِنْ زَعَمْتَ أَنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ , ثُمَّ اعْتَزِلْ أَمْرَ النَّاسِ , فَيَكُونَ أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ , فَيُوَلِّي الناسُ أمْرَهُم مَن أَجْمَعَ عليه رَأْيَهُمْ . فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : وَمَا أَنْتَ لَا أمَّ لَكَ وَهَذَا الْأَمْرَ وَهَذَا الْعَزْلَ ؟ , فَاسْكُتْ , فَإِنَّكَ لَسْتَ هُنَاكَ , وَلَا بِأَهْلٍ لِذَاكَ , فَقَالَ لَهُ حَبِيبٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَتَرَيَنِّي حَيْثُ تَكْرَهُ , فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَمَا أَنْتَ وَلَوْ أَجَلَبْتَ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ , لَا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ بَقِيتَ , اذْهَبْ فَصَعِّدْ وَصَوِّبْ مَا بَدَا لَكَ. وروى ابن ديزيل من طريق عمرو بْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ قُرَّاءَ أَهْلِ الْعِرَاقِ , وَقُرَّاءَ أَهْلِ الشَّامِ عَسْكَرُوا نَاحِيَةً , وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا , وَأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ مِنْهُمْ : عَبِيدَةُ السُّلْمَانِيُّ , وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ , وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عتبة بن مسعود , وغيرهم جاؤوا مُعَاوِيَةَ فَقَالُوا لَهُ : مَا تَطْلُبُ ؟ قَالَ : أَطْلُبُ بدمِ عثمان قالوا : فمَنْ تطلب به ؟ قال : عليًّا , قالوا : أهو قَتَلَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ! وَأَوَى قَتَلَتَهُ , فَانْصَرَفُوا إِلَى عَلِيٍّ فَذَكَرُوا لَهُ مَا قَالَ فَقَالَ : كَذَبَ ! لَمْ أَقْتُلْهُ , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي لَمْ أَقْتُلْهُ . فرجعوا إلى معاوية , فَقَالَ : إِنْ لَمْ يَكُنْ قَتَلَهُ بِيَدِهِ , فَقَدْ أَمَرَ رِجالاً. فرجعوا إلى علي , فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا قَتَلْتُ وَلَا أَمَرْتُ وَلَا مَالَيْت ( تآمرت ) . فرجعوا , فقال معاوية : فإن كَانَ صَادِقًا , فَلْيُقِدْنَا مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ , فَإِنَّهُمْ في عسكرِهِ وجُنده فرجعوا , فَقَالَ عَلِيٌّ : تَأَوَّلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ ( عثمان ) الْقُرْآنَ فِي فِتْنَةٍ , وَوَقَعَتِ الْفُرْقَةُ لِأَجْلِهَا , وَقَتَلُوهُ فِي سُلْطَانِهِ , وَلَيْسَ لِي عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ . فَرَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرُوهُ , فَقَالَ : إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يقول , فمَالَهُ أَنْفَذَ الْأَمْرَ ( الخلافة ) دُونَنَا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا , وَلَا مِمَّنْ هاهنا ؟ فرجعوا إلى علي , فقال علي : إنما الناس مع الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ , فَهُمْ شُهُودُ النَّاسِ عَلَى وِلَايَتِهِمْ وأمر دينهم , ورضوا وَبَايَعُونِي , وَلَسْتُ أَسْتَحِلُّ أَنْ أَدَعَ مِثْلَ مُعَاوِيَةَ يَحْكُمُ عَلَى الْأُمَّةِ وَيَشُقُّ عَصَاهَا , فَرَجَعُوا إِلَى معاوية , فقال : ما بال مَن هاهنا ( الشام ) مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَمْ يَدْخُلُوا فِي هَذَا الأمر ؟ فرجعوا , فقال علي : إِنَّمَا هَذَا لِلْبَدْرِيِّينَ دُونَ غَيْرِهِمْ , وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَدْرِيٌّ إِلَّا وَهُوَ مَعِي , وَقَدْ بايعني وقد رضي , فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ دِينِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ . قَالَ : فَأَقَامُوا يتراسلون في ذلك شهر ربيع الآخر , وجَماديْن ويَقْرَعُون في غُبون ذلك القُرعة بعد القُرعة وَيَزْحَفُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ , وَيَحْجِزُ بَيْنَهُمُ الْقُرَّاءُ , فلا يكون قتال قال : فقرعوا في ثلاثة أشهر خمسة وثمانين قُرعة. قَالَ : وَخَرَجَ أَبُو الدَّرْدَاءِ ررر وَأَبُو أُمَامَةَ ررر فَدَخَلَا على معاوية فقالا له : يا معاوية , عَلامَ تُقاتلُ هذا الرجل ؟ فوالله إنه أقدم منك ومن أبيك إسلاماً , وَأَقْرَبُ مِنْكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ . فَقَالَ: أُقَاتِلُهُ عَلَى دَمِ عُثْمَانَ , وَأَنَّهُ أَوَى قَتَلَتَهُ , فَاذْهَبَا إِلَيْهِ فَقُولَا لَهُ : فَلْيُقِدْنَا مِنْ قَتَلَةِ عثمان , ثم أنا أول مَن بايَعه مِنْ أَهْلِ الشَّام , فَذَهَبَا إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَا له ذلك فقال : هؤلاء الذين تَرَيَانِ فَخَرَجَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَقَالُوا : كُلُّنَا قَتَلَةُ عُثْمَانَ , فمن شاء فَلْيَرُمْنَا ( فليطلبنا ) . فرجع أبو الدرداء وأبو أمامة فلم يشهدا لهم حرباً . |
الساعة الآن 09:12 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM