مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 88)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 87)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=354885 ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ فِيهَا غَزَا الصَّائِفَةَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ , وَابْنُ أَخِيهِ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَافْتَتَحَا بِمَنْ مَعَهُمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حِصْنَ طُوَانَةَ فِي جُمَادَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ , وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا , اقْتَتَلَ النَّاسُ عِنْدَهُ قِتَالًا عَظِيمًا , ثُمَّ حَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى النَّصَارَى , فَهَزَمُوهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمُ الْكَنِيسَةَ ثُمَّ خَرَجَتِ النَّصَارَى فَحَمَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ , وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي مَوْقِفِهِ إِلَّا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ , وَمَعَهُ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِيُّ فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِابْنِ مُحَيْرِيزٍ : أَيْنَ قُرَّاءُ الْقُرْآنِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ : نَادِهِمْ يَأْتُوكَ . فَنَادَى : يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ . فَتَرَاجَعَ النَّاسُ , فَحَمَلُوا عَلَى النَّصَارَى فَكَسَرُوهُمْ , وَلَجَأُوا إِلَى الْحِصْنِ , فَحَاصَرُوهُمْ حَتَّى فَتَحُوهُ . وَفِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَ كِتَابُ الْوَلِيدِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالْمَدِينَةِ , يَأْمُرُهُ بِهَدْمِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ , وَإِضَافَةِ حُجَرِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ , وَأَنْ يُوَسِّعَهُ مِنْ قِبْلَتِهِ وَسَائِرِ نَوَاحِيهِ , حَتَّى يَكُونَ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ فِي مِائَتَيْ ذِرَاعٍ , فَمَنْ بَاعَكَ مِلْكَهُ فَاشْتَرِ مِنْهُ , وَإِلَّا فَقَوِّمْهُ لَهُ قِيمَةَ عَدْلٍ , ثُمَّ اهْدِمْ , وَادْفَعْ إِلَيْهِمْ أَثْمَانَ بُيُوتِهِمْ , فَإِنَّ لَكَ فِي ذَلِكَ سَلَفَ صِدْقٍ ; عُمَرَ , وَعُثْمَانَ . فَجَمَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وُجُوهَ النَّاسِ , وَالْفُقَهَاءَ الْعَشَرَةَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ , وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ الْوَلِيدِ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَقَالُوا : هَذِهِ ( بيوت أزوج النبي صصص ) حُجَرٌ قَصِيرَةُ السُّقُوفِ , وَسُقُوفُهَا مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ , وَحِيطَانُهَا مِنَ اللَّبِنِ , وَعَلَى أَبْوَابِهَا الْمُسُوحُ , وَتَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا أَوْلَى , لِيَنْظُرَ إِلَيْهَا الْحُجَّاجُ وَالزُّوَّارُ وَالْمُسَافِرُونَ , وَإِلَى بُيُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ وَيَعْتَبِرُوا بِهِ , وَيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُمْ إِلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا , فَلَا يُعَمِّرُونَ فِيهَا إِلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ , وَهُوَ مَا يَسْتُرُ وَيُكِنُّ , وَيَعْرِفُونَ أَنَّ هَذَا الْبُنْيَانَ الْعَالِيَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْفَرَاعِنَةِ وَالْأَكَاسِرَةِ , وَكُلِّ طَوِيلِ الْأَمَلِ رَاغِبٍ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْخُلُودِ فِيهَا . فَعِنْدَ ذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْوَلِيدِ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ الْعَشَرَةُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُمْ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ يَأْمُرُهُ بِالْخَرَابِ وَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ عَلَى مَا ذَكَرَ , وَأَنْ يُعَلِّيَ سُقُوفَهُ فَلَمْ يَجِدْ عُمَرُ بُدًّا مِنْ هَدْمِهَا , وَلَمَّا شَرَعُوا فِي الْهَدْمِ , صَاحَ الْأَشْرَافُ وَوُجُوهُ النَّاسِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ , وَتَبَاكَوْا مِثْلَ يَوْمِ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنادى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : مَنْ لَهُ مِلْكٌ مُتَاخِمٌ لِلْمَسْجِدِ لِلْبَيْعِ ؟ , فَاشْتَرَى مِنْهُمْ , وَشَرَعَ فِي بِنَائِهِ , وَشَمَّرَ عَنْ إِزَارِهِ , وَاجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ , وَجَاءَتْهُ فُعُولٌ ( عُمَّال ) كَثِيرَةٌ مِنْ قِبَلِ الْوَلِيدِ , فَأَدْخَلَ فِيهِ الْحُجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ , حُجْرَةَ عَائِشَةَ , فَدَخَلَ الْقَبْرُ فِي الْمَسْجِدِ , وَكَانَتْ حَدَّهُ مِنَ الشَّرْقِ , وَسَائِرُ حُجَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ , كَمَا أَمَرَ الْوَلِيدُ . ويُحْكَى أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَنْكَرَ إِدْخَالَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فِي الْمَسْجِدِ , كَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ الْقَبْرُ مَسْجِدًا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَرُوِّينَا أَنَّهُمْ لَمَّا حَفَرُوا الْحَائِطَ الشَّرْقِيَّ مِنْ حُجْرَةِ عَائِشَةَ بَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ , فَخَشُوا أَنْ تَكُونَ قَدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى تَحَقَّقُوا أَنَّهَا قَدَمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَكَتَبَ الْوَلِيدُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يَحْفِرَ الْفَوَّارَةَ بِالْمَدِينَةِ , وَأَنْ يُجْرِيَ مَاءَهَا , فَفَعَلَ , وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْفِرَ الْآبَارَ , وَأَنْ يُسَهِّلَ الطُّرُقَ وَالثَّنَايَا , وَسَاقَ إِلَى الْفَوَّارَةِ الْمَاءَ مِنْ ظَاهِرِ الْمَدِينَةِ , وَالْفَوَّارَةُ بُنِيَتْ فِي ظَاهِرِ الْمَسْجِدِ , عِنْدَ بُقْعَةٍ رَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ . وَفِيهَا غَزَا قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَلِكَ التُّرْكِ كُورْمَغَانُونَ ابْنَ أُخْتِ مَلِكِ الصِّينِ , وَمَعَهُ مِائَتَا أَلْفِ مُقَاتِلٍ مِنْ أَهْلِ الصُّغْدِ وَفَرْغَانَةَ وَغَيْرِهِمْ , فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ، وَكَانَ مَعَ قُتَيْبَةَ نَيْزَكُ مَلِكُ التُّرْكِ مَأْسُورًا , فَكَسَرَهُمْ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ , وَغَنِمَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا , وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا وَسَبَى وَأَسَرَ . وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَمَعَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ , فَلَمَّا كَانَ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ , فَأَخْبَرُوهُ عَنْ قِلَّةِ الْمَاءِ بِمَكَّةَ لِقِلَّةِ الْمَطَرِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : أَلَا نَسْتَمْطِرُ ؟ ( نستسقي ) فَدَعَا وَدَعَا النَّاسُ , فَمَا زَالُوا يَدْعُونَ حَتَّى سُقُوا , وَدَخَلُوا مَكَّةَ وَمَعَهُمُ الْمَطَرُ وَجَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ ، حَتَّى خَافَ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ شِدَّةِ الْمَطَرِ , وَمُطِرَتْ عَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى , وَأَخْصَبَتِ الْأَرْضُ هَذِهِ السَّنَةَ خِصْبًا عَظِيمًا بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا , وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَكَانَ النُّوَّابُ عَلَى الْبُلْدَانِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهَا . مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ عبد الله بن بسر المازني ررر وَهُوَ آخِرُ مَنْ تُوَفِّيَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالشَّامِ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَعِيشُ قَرْنًا . فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ . عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى الْخُزَاعِيُّ ثُمَّ الْأَسْلَمِيُّ ررر صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ وَهُوَ آخِرُ مَنْ بَقِيَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْكُوفَةِ , وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ . وَفِيهَا تُوُفِّيَ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدَنِيُّ وَكَانَ حَمَا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَنَائِبَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ الَّذِي ضَرَبَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فَمَاتَ بِهَا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ دِرَاسَةَ الْقُرْآنِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ . أَبُو الْأَحْوَصِ , حَكِيمُ بْنُ عُمَيْرٍ الْعَنْسِيُّ الشَّامِيُّ لَهُ رِوَايَةٌ , وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي الشَّامِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعِيبَ الْحَجَّاجَ عَلَانِيَةً إِلَّا هُوَ وَابْنُ مُحَيْرِيزٍ قُتِلَ فِي غَزْوَةِ طُوَانَةَ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ . المصدر... |
الساعة الآن 10:15 AM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM