مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 180)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 177 - 179)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=364248 ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ فِيهَا هَاجَتِ الْفِتْنَةُ بِالشَّامِ بَيْنَ النِّزَارِيَّةِ وَالْيَمَانِيَّةِ فَانْزَعَجَ الرَّشِيدُ لِذَلِكَ , فَنَدَبَ جَعْفَرًا الْبَرْمَكِيَّ إِلَى الشَّامِ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْجُنُودِ فَدَخَلَ الشَّامَ فَانْقَادَ النَّاسُ لَهُ , وَلَمْ يَدَعْ جَعْفَرٌ بِالشَّامِ فَرَسًا وَلَا سَيْفًا وَلَا رُمْحًا إِلَّا اسْتَلَبَهُ مِنَ النَّاسِ . وَأَطْفَأَ اللَّهُ بِهِ نَارَ تِلْكَ الْفِتْنَةِ . ثُمَّ كَرَّ جَعْفَرُ رَاجِعًا إِلَى بَغْدَادَ , بَعْدَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى الشَّامِ عِيسَى بْنَ الْعَكِّيِّ , وَلَمَّا قَدِمَ عَلَى الرَّشِيدِ أَكْرَمَهُ وَقَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ وَشَرَعَ جَعْفَر يَذْكُرُ كَثْرَةَ وَحْشَتِهِ لَهُ فِي الشَّامِ , وَيَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي مَنَّ عَلَيْهِ بِرُجُوعِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , وَرُؤْيَتِهِ وَجْهَهُ . وَفِيهَا وَلَّى الرَّشِيدُ جَعْفَرًا خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ فَاسْتَعْمَلَ جَعْفَرُ عَلَى ذَلِكَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ ثُمَّ عَزَلَ الرَّشِيدُ جَعْفَرًا عَنْ خُرَاسَانَ بَعْدَ عِشْرِينَ لَيْلَةً . وَفِيهَا هَدَمَ الرَّشِيدُ سُورَ الْمَوْصِلِ , بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْخَوَارِجِ هُنَاكَ , وَجَعَلَ الرَّشِيدُ جَعْفَرَ عَلَى الْحَرَسِ , وَنَزَلَ الرَّشِيدُ الرَّقَّةَ وَاسْتَوْطَنَهَا , وَاسْتَنَابَ عَلَى بَغْدَادَ ابْنَهُ الْأَمِينَ مُحَمَّدًا , وَوَلَّاهُ الْعِرَاقَيْنِ , وَعَزَلَ هَرْثَمَةَ بْنَ أَعْيَنَ عَنْ إِفْرِيقِيَّةَ وَاسْتَدْعَاهُ إِلَى بَغْدَادَ فَاسْتَنَابَهُ جَعْفَرُ عَلَى الْحَرَسِ . وَفِيهَا كَانَتْ بِمِصْرَ زَلْزَلَةٌ شَدِيدَةٌ سَقَطَ مِنْهَا رَأْسُ مَنَارَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ . وَفِيهَا خَرَجَ بِالْجَزِيرَةِ خُرَاشَةُ الشَّيْبَانِيُّ فَقَتَلَهُ مُسْلِمُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ مُسْلِمٍ الْعُقَيْلِيُّ . وَفِيهَا ظَهَرَتْ طَائِفَةٌ بِجُرْجَانَ يُقَالُ لَهُمُ : الْمُحَمِّرَةُ . لَبِسُوا الْحُمْرَةَ , وَاتَّبَعُوا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ : عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَمْرَكِيُّ . وَكَانَ يُنْسَبُ إِلَى الزَّنْدَقَةِ فَبَعَثَ الرَّشِيدُ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ بِمَرْوَ , وَأَطْفَأَ اللَّهُ نَارَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ . وَفِيهَا غَزَا الصَّائِفَةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ زُفَرَ بْنِ عَاصِمٍ . وَحَجَّ بِالنَّاسِ مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ . وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَعْيَانِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ قَارِئُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ , وَقَدْ أَقَامَ مُدَّةً بِبَغْدَادَ , يُؤَدِّبُ عَلِيًّا بْنَ الْمَهْدِيِّ , حَتَّى تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ . وَفِيهَا تُوُفِّيَ عَافِيَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ الْقَاضِي لِلْمَهْدِيِّ عَلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بَغْدَادَ , هُوَ وَابْنُ عُلَاثَةَ , وَكَانَا يَحْكُمَانِ بِجَامِعِ الرُّصَافَةِ وَكَانَ عَافِيَةُ عَابِدًا زَاهِدًا وَرِعًا , دَخَلَ يَوْمًا عَلَى الْمَهْدِيِّ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , أَعْفِنِي . فَقَالَ : لِمَ ؟ , أَعْتَرَضَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ ؟ فَقَالَ : لَا , وَلَكِنْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ خُصُومَةٌ عِنْدِي , فَعَمَدَ أَحَدُهُمَا إِلَى رُطَبِ السُّكَّرِ , وَكَأَنَّهُ سَمِعَ أَنِّي أُحِبُّهُ , فَأَهْدَى إِلَيَّ مِنْهُ طَبَقًا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , فَرَدَدْتُهُ عَلَيْهِ , فَلَمَّا أَصْبَحَا وَجَلَسَا لِلْحُكُومَةِ , لَمْ يَسْتَوِيَا عِنْدِي فِي قَلْبِي وَلَا نَظَرِي , وَمَالَ قَلْبِي إِلَى الْمُهْدِي مِنْهُمَا , هَذَا وَمَا قَبِلْتُ مِنْهُ , فَكَيْفَ لَوْ قَبِلْتُ مِنْهُ ؟! , فَأَعْفِنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , عَفَا اللَّهُ عَنْكَ . فَأَعْفَاهُ . وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : كُنْتُ عِنْدَ الرَّشِيدِ يَوْمًا وَعِنْدَهُ عَافِيَةُ الْقَاضِي , وَقَدْ أَحْضَرَهُ لِأَنَّ قَوْمًا اسْتَعَدَوْا عَلَيْهِ إِلَى الرَّشِيدِ فَجَعَلَ الرَّشِيدُ يُوقِفُهُ عَلَى مَا قِيلَ عَنْهُ , وَهُوَ يُجِيبُ الْخَلِيفَةَ عَمَّا يَسْأَلُهُ , وَطَالَ الْمَجْلِسُ , فَعَطَسَ الْخَلِيفَةُ فَشَمَّتَهُ النَّاسُ وَلَمْ يُشَمِّتْهُ عَافِيَةُ فَقَالَ لَهُ : لِمَ لَمْ تُشَمِّتْنِي مَعَ النَّاسِ ؟ فَقَالَ : لِأَنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ . وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : ارْجِعْ إِلَى عَمَلِكَ , فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ لِتَفْعَلَ مَا قِيلَ عَنْكَ وَأَنْتَ لَمْ تُسَامِحْنِي فِي عَطْسَةٍ . وَرَدَّهُ رَدًّا جَمِيلًا إِلَى وِلَايَتِهِ . وَفِيهَا تُوُفِّيَ سِيبَوَيْهِ إِمَامُ النُّحَاةِ , وَاسْمُهُ : عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبرٍ , أَبُو بِشْرٍ , الْمَعْرُوفُ بِسِيبَوَيْهِ النَّحْوِيِّ , مَوْلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَإِنَّمَا سُمِّيَ سِيبَوَيْهِ , لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُرَقِّصُهُ وَتَقُولُ لَهُ ذَلِكَ , وَمَعْنَى سِيبَوَيْهِ : رَائِحَةُ التُّفَّاحِ . وَقَدْ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ يَصْحَبُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءَ , وَكَانَ يَسْتَمْلِي عَلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ , فَلَحَنَ يَوْمًا , فَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ , فَأَنِفَ مِنْ ذَلِكَ , فَلَزِمَ الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ , فَبَرَعَ فِي النَّحْوِ , وَدَخَلَ بَغْدَادَ , وَنَاظَرَ الْكِسَائِيَّ . وَكَانَ سِيبَوَيْهِ شَابًّا جَمِيلًا نَظِيفًا , تَعَلَّقَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ بِسَبَبٍ , وَضَرَبَ فِي كُلِّ أَدَبٍ بِسَهْمٍ , مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي النَّحْوِ . وَقَدْ صَنَّفَ فِي النَّحْوِ كِتَابًا لَا يُلْحَقُ شَأْوُهُ , وَشَرَحَهُ أَئِمَّةُ النُّحَاةِ بَعْدَهُ , فَانْغَمَرُوا فِي لُجُجِ بَحْرِهِ , وَاسْتَخْرَجُوا مِنْ جَوَاهِرِ حَاصِلِهِ , وَلَمْ يَبْلُغُوا إِلَى قَعْرِهِ . وَقَدْ زَعَمَ ثَعْلَبٌ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِتَصْنِيفِهِ , وَقَدْ تَسَاعَدَ جَمَاعَةٌ فِي تَصْنِيفِهِ , نَحْوٌ مَنْ أَرْبَعِينَ نَفَسًا , هُوَ أَحَدُهُمْ . قَالَ : وَهُوَ أَصُولُ الْخَلِيلِ بن أحمد , فَادَّعَاهُ سِيبَوَيْهِ لِنَفْسِهِ وَقَدِ اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ السِّيرَافِيُّ فِي كِتَابِ " طَبَقَاتِ النُّحَاةِ " , قَالَ : وَقَدْ أَخَذَ سِيبَوَيْهِ اللُّغَاتِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ الْأَخْفَشِ وَغَيْرِهِ , وَكِتَابُهُ الْمَشْهُورُ " بِالْكِتَابِ " لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهِ , وَلَا يَلْحَقُهُ فِيهِ أَحَدٌ . وَكَان سِيبَوَيْهِ يَقُولُ : سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْعَرُوبَةِ , وَالْعَرُوبَةُ يَوْمُ الْجُمْعَةِ . وَكَانَ يَقُولُ : مَنْ قَالَ : عَرُوبَةُ . فَقَدْ أَخْطَأَ . فَذُكِرَ ذَلِكَ لِيُونُسَ , فَقَالَ : أَصَابَ , لِلَّهِ دَرُّهُ . وَقَدِ ارْتَحَلَ إِلَى خُرَاسَانَ لِيَحْظَى عِنْدَ طَلْحَةَ بْنِ طَاهِرٍ , فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ النَّحْوَ , فَمَرِضَ هُنَاكَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ . قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ : وَيُقَالُ : إِنَّهُ تُوُفِّيَ وَعُمْرُهُ ثِنْتَانِ وَثَلَاثُونَ سَنَةً . المصدر... |
الساعة الآن 12:38 AM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM