شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   الموسوعة الضخمة مواضيع اسلامية هامة جداااااااااااااااااااااااا (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=294)
-   -   الجلوس للتعزية واستقبال المعزين: دراسة فقهية (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=400073)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 10-25-2022 02:53 AM

الجلوس للتعزية واستقبال المعزين: دراسة فقهية
 
الجلوس للتعزية واستقبال المعزين: دراسة فقهية
د. أحمد عبدالمجيد مكي


عَزَّى يُعزِّي، تَعْزيةً، فهو مُعَزٍّ، والمفعول مُعَزًّى، وعَزَّاه: صَبَّره على ما أصابه وألمَّ به، خَفَّف عنه، واساه، وشاطره الأسى، والتعزية: مواساة في الحزن والكَرْب.
وتعزية المسلم لأخيه المسلم من الأمور المؤكدة، ومن صورها: أن يجتمع أهل الميت في مكان معين؛ كسرادق أو صالة أو خيمة أو ما شابه مما اعتاده الناس، بحيث يقصدهم فيه من أراد العزاء، وقد اختلف العلماء في حكم الصورة المذكورة، على قولين:
القول الأول: المنع، وهو مذهب الشَّافعيَّة، وقولٌ عند الحنابلة، وقولٌ عند الحَنفيَّة، واختاره من المعاصرين ابنُ عثيمين، وهذا المنع دائر بين الكراهة والتحريم.
قال النووي: وأما الجلوس للتعزية فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وسائر الأصحاب على كراهته، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفهم عَزَّاهُمْ، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها[1].
القول الثاني: الجواز، وهو قول في المذاهب عدا مذهب الشافعي[2]، واختاره جَمْعٌ من المعاصرين؛ منهم: الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبدالله بن جبرين، والشيخ عبدالعزيز بن باز، فقد سُئِل ابن باز رحمه الله عن استقبال المعزين والجلوس للتعزية، فقال: "لا أعلم بأسًا فيمن نزلت به مصيبة بموت قريب، أو زوجة، ونحو ذلك، أن يستقبل المعزِّين في بيته في الوقت المناسب؛ لأن التعزية سُنَّة، واستقبال المعزِّين مما يعينهم على أداء السُّنَّة، وإذا أكرمهم بالقهوة، أو الشاي، أو الطيب، فكل ذلك حسن"[3].
أدلة المانعين:
الدليل الاول:أثر الصحابي الجليل جرير بن عبدالله البجلي: "كُنَّا نَعُدُّ (وفي رواية: كُنَّا نَرَى) الاجتماعَ إِلى أهل المَيِّتِ، وصنيعة الطعام بعد دفنه: مِن النِّيَاحَةِ"[4].
وجه الدلالة:
أنهم كانوا يعدُّون الاجتماعَ عند أهل الميت بعد دفنه، وأكل الطعام عندهم نوعًا من النياحة؛ لما في ذلك من التثقيل عليهم وشغلهم، مع ما هم فيه من شغلة الخاطر بموت الميت، وما فيه من مخالفة السنة؛ لأنهم مأمورون بأن يصنعوا لأهل الميت طعامًا، فخالفوا ذلك، وكلفوا هم صنعة الطعام لغيرهم[5].
وقوله: "كنا نعُدُّ الاجتماع..." هذا بمنزلة رواية إجماع الصحابة، أو تقرير النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الثاني فحكمه الرفع، وعلى التقديرين فهو حجة[6].
ويُجاب عنه بأمرين:
الأول:من جهة الإسناد؛ حيث اختلف العلماء في صحة هذا الأثر؛ فصحَّحه كثيرٌ من العلماء، وضعَّفَه بعضهم.
وحجة من ضعَّفه أن الإمام أحمد أخرجه في مسنده من طريق نصر بن باب، وهو ضعيف جدًّا، ومُتَّهم بالكذب، وقد نقل الحافظ الذهبي أقوال العلماء فيه؛ منها: قال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن حِبَّان: لا يُحتَجُّ به، وقال البخاري: يرمونه بالكذب، وقال غير واحد: متروك[7].
وأخرجه ابن ماجه من طريق هُشَيْم بن بشير، وهو مشهور بالتدليس، ولم يصرح بالسماع، قال الحافظ الذهبي: كان من كبار المدلِّسين مع حفظه وصدقه[8]، وقال الحافظ ابن حجر: هشيم بن بشير الواسطي من أتباع التابعين، مشهور بالتدليس مع ثقته، وصفه النسائي وغيره بذلك[9]، فالحديث من هذين الطريقين ضعيف لا يثبت.
الأمر الثاني:من جهة الدلالة، فدلالته على التحريم - على فرض صحته- ليست قاطعةً، من وجوه:
أن جرير بن عبدالله صحابي جليل، اختُلِف في وقت إسلامه، وكان له بلاء حسن في الفتوحات، سكن الكوفة، ثم انتقل إلى قرقيسيا) مدينة سورية صغيرة على الحدود السورية العراقية، اسمها بلدة البصيرة حاليًّا)، ومات بها سنة (51هـ)، وقيل: (54هـ)؛ أي: إنه عاش بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربعين سنة، ويرى بعض العلماء أن قول الصحابي: "كنا نفعل"، ليس له حكم الرفع على الصحيح؛ لأنه لم يصرح بأن ذلك كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من قبيل الموقوف، قال الشوكاني: لو قال الصحابي: كانوا يفعلون أوكنا نفعل، ولا يقول: على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا تقوم بمثل هذه الحجة؛ لأنه ليس بمسند إلى تقرير النبي صلى الله عليه وسلم...[10].
وقال الخطيب البغدادي: ومتى جاءت رواية عن الصحابة بأنهم كانوا يقولون أو يفعلون شيئًا، ولم يكن في الرواية ما يقتضي إضافة وقوع ذلك إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن حجة، ولا دلالة على أنه حقٌّ، إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ جواز ذلك من جهة الاجتهاد فَيُحْكَمُ به[11].
ربما كان المقصود هو مجموع الصورة أو الوصفين معًا: الجلوس والأكل، بما يشبه الوليمة التي تُصنَع في الأعْرَاس والمناسبات، ولا يُحمل على مجرد الاجتماع.
أنه قول صحابي خالفه غيره، من ذلك فعل عائشة زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنها كانت، إذا مات الميت من أهلها، فاجتمع لذلك النساء، ثم تفرَّقْنَ إلا أهلها، وخاصَّتَهَا...[12]، وهذا الأثر أقوى وأصحُّ إسنادًا من أثر جرير، ولَمَّا مات خالد بن الوليد اجْتَمَعْنَ نِسْوَةُ بَنِي الْمُغِيرَةِ يَبْكِينَ عليه[13].
وفي هذين الأثرين دلالةٌ واضحةٌ على أنهم كانوا لا يرون في الاجتماع بأسًا، سواء اجتماع أهل الميت، أو اجتماع غيرهم معهم.
الدليل الثاني: أن هذا الأمر لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، فهو من المحدثات، وفيه مخالفة لهدي السلف الصالح، الذين لم يجلسوا ويجتمعوا للعزاء،قال أبو بكر الطرطوشي المالكي: قال علماؤنا المالكيُّون: التصدِّي للعزاء بدعةٌ ومكروه، وإذا أصلح أهل الميت طعامًا، ودعوا الناس إليه؛ فلم ينقل فيه عن القدماء شيء، وعندي أنه بدعة ومكروه [14].
ويُجاب عن هذا الاستدلال بما يلي:
أما استدلال المانعين بأن الصحابة لم يجتمعوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فيُجاب عنه بأن مصابهم في موت النبي كان مصابًا للجميع، فكان كل بيت له عزاء.
واستدلالهم بأن التعزية لا يُشترط لها الاجتماع في مكان مخصص، فقد تكون في المنزل والمسجد والسوق وطريق المقابر، وبعد الدَّفْنِ، فيُجاب عنه بأنه إذا تعارف الناس على ذلك، وكان هذا كافيًا في حصول المقصود فلا حرج، أما إن لم يكن متعارفًا عليه، أو كانت البيوت ضيقة لا تسع المعزِّين، وسيتسبب الأمر في إحراج أهلها وإزعاجهم، أو كانت المساجد والأسواق وأماكن العمل متفرقةً ومتباعدةً، وأدَّى هذا إلى أن يترك الناس أعمالهم بحثًا عن أهل المتوفى، فهذا من العسر والحرج الذي لم يكلفنا الله إياه.
إذا صحَّ القول بالكراهة، فمعلوم أن الكراهة تزول عند وجود الحاجة، وقد أشار لذلك الإمام ابن قدامة المقدسي، فقال: فأما صنع أهل الميت طعامًا للناس فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم، وشغلًا لهم إلى شغلهم، وتشبُّها بصنع أهل الجاهلية، وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز؛ فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القُرى والأماكن البعيدة، ويبيت عندهم، ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه[15].
أدلة المجيزين:
1- فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت أنه حين جاءه خبرُ استشهاد زيد بن حارثة، وجعفر، وابن رواحة؛ جلس يُعْرف في وجهه الحزن[16].
وهذه الدلالة ليست قاطعة؛ لكنها لا تنفي الاحتمال، وهذا هو ما فهمه الحافظ ابن حجر في قوله: وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار[17].
2- التعزية ليست عبادةً محضةً حتى يُقال عنها: إنها بدعة؛ ولكنها من قبيل العادات، ومعلوم أن الأصل في المعاملات الإباحة، وفي العبادات المنع.
3- جاءت التعزية في الشرع مطلقة، فلا يُقيِّدها إلا الشارع، وهذا معدوم هنا؛ لذلك ينبغي الرجوع فيه إلى ما تعارَف عليه الناس.
4- هذا القول هو الأقرب إلى اليُسْر، ورفع الحرج، وخاصة مع اختلاف الزمان، واتساع العمران، وكثرة الناس، وتنوُّع مشاغلهم، وقد يكون أبناء الميت وأقاربه في أماكن مختلفة داخل المدينة أو خارجها، وقد يكون المعزي نفسُه من مكان بعيد.
الترجيح:
الذي يظهر لي والله أعلم، أن القول بالجواز هو الأرجح؛ وذلك لضعف أدلة المانعين؛ إذ ليس منها شيء صريح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأودُّ التنبيه إلى أمر مُهِمٍّ، وهو أنه:
إذا كان مقصود العزاء تصبير أهل الميت وتهوين المصيبة عليهم، فهناك جملة من المنكرات والمخالفات التي يجب أن تتضافر جهود الدُّعاة وطلبة العلم، ووسائل الإعلام، ودوائر التعليم والتثقيف كافة على إنكارها والتحذير منها، وأن يقوم كل منهم بدوره مع مراعاة الرِّفْق والتدرُّج، فهذه المخالفات- وإن كانت لا تبطل أصل جواز الجلوس للتعزية- إلا أنها خرجت بالعزاء عن مقصوده، ومن أبرزها:
المبالغة في إنشاء السرادقات والتنافُس والتسابُق والمباهاة في ذلك، والتوسُّع في الإضاءة والأنوار وكأنه عرس أو حفل بهيج!
إيذاء الناس بإغلاق الشوارع، وإزعاجهم بمكبرات الصوت، مما يُعَدُّ تعديًا على حقوق المسلمين، وتعطيلًا لمصالحهم.
استئجار المقرئين، وإنفاق الأموال الطائلة عليهم، وقد نُهينا عن التبذير وإضاعة المال، وفقراء المسلمين بل وربما يكون أقارب المتوفى نفسه في أشد الحاجة إليه، ولو وُجِّهت هذه الأموال التوجيه الصحيح لغيَّرت من حال المسلمين، ولا يخفى أن حرمة هذا العمل تشتد وتغلُظ إذا كانت النفقة والتكلفة محسوبةً من تركة الميت، وفي الورثة صغار.
والله تعالى أعلى وأعلم.



[1] المجموع شرح المهذب (5/ 306).
[2] فتح القدير، للكمال بن الهمام (2/ 142)، المغني، لابن قدامة (2/ 342)، المجموع شرح المهذب، للنووي (5/ 306)، مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية (24/ 316)، زاد المعاد، لابن القيم (1/ 527)،مجموع فتاوى ابن عثيمين (17/ 272).
[3] مجموع فتاوى ابن باز (13/ 373، 382).
[4] رواه أحمد، رقم (6905)، وابن ماجه، رقم (1612).
[5] نيل الأوطار (4/ 118).
[6] حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 490).
[7] تاريخ الإسلام (4/ 1222)، ميزان الاعتدال (4/ 250).
[8] تاريخ الإسلام (4/ 992).
[9] طبقات المدلِّسين (ص: 47).
[10] إرشاد الفحول (1/ 165).
[11] الكفاية في علم الرواية (ص: 423).
[12] رواه البخاري، رقم (5417)، ومسلم، رقم (2216).
[13] مصنف ابن أبي شيبة (3/ 290)، ومصنف عبدالرزاق (3/ 558)، ورواه البخاري معلقًا في باب ما يكره من النياحة على الميت، قبل الحديث رقم (1291).
[14] الحوادث والبدع (ص: 170).
[15] المغني لابن قدامة (2/ 410).
[16] رواه البخاري، رقم (1299)، ومسلم، رقم (935).
[17] فتح الباري (3/ 519).


المصدر...


الساعة الآن 11:36 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM