شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   2020____مواضيع جديدة في كل المجالات (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=539)
-   -   نعمة المنع (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=343513)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 10-12-2020 01:29 PM

نعمة المنع
 





نعمة المنع












حسن عبد الرحمن عبد الحافظ عثمان




الحمد لله تعالى الذي تفضل على عباده بالنعم الكثيرة والعطايا الغزيرة، الحمد لله الذي جعل عطاءه في المنع، ومعافاته في الابتلاء، وغناه في الافتقار، نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.








وبعدُ عباد الله:



فإن الله أنعم على عباده عمومًا وعلى المسلمين خصوصًا بنعمٍ لا تُعد ولا تحصى، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: 18]، وقال سبحانه: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان: 20].








وأوجب علينا شكر هذه النعم، وأخبر أن النعمَ تدومُ بشكرها، وتزول بكفرها: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7]، فهذه النعم لا تذهب بدون مسؤولية، وبدون حساب قال جل وعلا: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر: 8].







والناس متفاوتون في فهم نعم الله ومعرفتها، وغالبهم يحصرون نعم الله في الأمور المحسوسة المشهودة، كالمال والأهل والولد والمنصب والعلم والجاه، وهذه الأمور ليست نعمًا على الإطلاق، ولكنها قد تكون نعمةً وقد تكون نقمةً على العبد وسببًا لشقائه وعذابه في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه:﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة: 55].








وأعظم نعم الله على الإطلاق نعمة الإيمان به والاستقامةِ على طاعته،فهذه هي النعمة الحقيقة التي يُنعمَ بها الله على من أحب من عباده، قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ [النساء: 69، 70].








فأعظم نعم الله تعالى على العباد نعمة الإسلام والإيمان ثم نعمة الطاعة والإقبال على الله والتلذذ بمناجاته والقرب به والسعادة في طاعته.







فإذا أعطاك الله الإيمان وجعل قلبك حيًا، وجعل لك نورًا في قلبك، فهذه هي النعمة التي اختصك الله بها.








يقول الله عز وجل فيها:﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً [الحجرات: 7، 8].








فانظروا عباد الله لهذا المقياس الذي جعله الله للعبد، فضلًا من الله ونعمةً أن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك وأن يبغِّض لك الكفر والفسوق والعصيان.








فمن رأى من نفسه حبًّا للطاعة وأهلها وإقبالا عليها وبغضًا للمعصية وأهلها وعزوفًا عنها فليعلم أن الله عز قد امتن عليه بنعمة عظيمة، ومن وجد غير لذلك فليعلم أن قد خُسف بقلبه، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر: 45].








ولذلك كان من العقوبات المعجَّلةِ في الدنيا الحرماُن من الطاعة ومن لذة المناجاة، وهذا النوع من العقوبات يغفل عنه كلُّ الخلق إلا من رحم الله، وهو أشد أنواع العقوبات أن يُحرم العبدُ من الاستقامةِ على الطاعة ومن لذة مناجاة الربِّ جل وعلا.







قال بعض أحبار بني إسرائيل: "يا رب! كم أعصيك، ولا تعاقبني؟ فقيل له: كم أعاقبك، وأنت لا تدري؟ أليس قد حرمتك حلاوةَ مناجاتي؟.








وانغماس العبد في المعاصي عقوبة من الله، كما قال الحكماء:"المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة".








فإياك أن تغتر بتأخير العقوبة، واعلم أنَّ من أعظم المحن الاغترارَ بالسلامة بعدَ الذنبِ؛ فإنَّ العقوبة تتأخر، ومن أعظمِ العقوبةِ ألا يشعرَ الإنسان بها، وأن تكون في سلب الدين وطمس القلوب، وسوء الاختيار للنفس.








أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم







الخطبة الثانية



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:



فمن النعم التي يغفل عنها كثير منا بل غالب الناس يغفلون عنها نعمة « المَنْعِ »، وهي لعمر الله من أعظم النعم التي لا ينالها إلا من أراد الله به خيرًا.








وليس المقصود بنعمة المنع أن يمنع الله عنك الابتلاء والمحن والأمراض والأسقام، وإنما نعمة المنع أن يحرمك الله الرزق الذي قد يكون سببًا لهلاكك.








يحرمك المال الكثير والتجارة الرابحة التي قد تكون سببًا لغفلتك عنه، يحرمك المنصب والجاه الذي قد يكون سببًا لتكبرك على الناس.








قال تعالى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ [الشورى: 27].








وهذه الآية نـزلت من أجل قوم من أهل الفاقة من المسلمين تمنوا سعة الدنيا والغنى، فقال جلّ ثناؤه: ولو بسط الله الرزق لعباده، فوسَّعه وكثَّره عندهم لبغوا، فتجاوزوا الحدّ الذي حدّه الله لهم إلى غير الذي حدّه لهم في بلاده بركوبهم في الأرض ما حظره عليهم، ولكنه ينـزل رزقهم بقدر لكفايتهم الذي يشاء منه.








قال قتادة: "خير الرزق ما لا يُطغيك ولا يُلهيك".








ولذلك قال سبحانه :﴿ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ: أي أن الله جل ثناؤه ذو خبرة وعلم بما يصلح عباده ويفسدهم من غنى وفقر وسعة وإقتار، وغير ذلك من مصالحهم ومضارهم، بصير بتدبيرهم، وصرفهم فيما فيه صلاحهم.








وانظروا في حال قوم موسى لما رأوا قارون في ماله وغروره فتمنوا أن يكون لهم ما له وظنوا بفهمهم الضيق أن الله قد وسَّع عليه وضيق عليهم فقالوا:﴿ يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص: 79].








فردَّ عليهم الذين يعلمون حقيقة النعمة:﴿ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ [القصص: 80].








ولكن كعادة أهل الدنيا لا يرون حقيقة الأمور إلا بعد انكشافها فجاء الرد من رب العزة على هذا الذي تكبر بنعم الله عليه فأنكر فضل الله تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ [القصص: 81].








فعلم أرباب الدنيا في هذه اللحظة أن منع الله إياهم المال كان سببًا لنجاتهم من الهلكة في الدنيا والعذاب في الآخرة وتبدل حالهم وعلموا أن النعمة الحقيقة كانت في منعهم المال قال تعالى:﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [القصص: 82].








فَالرَّاضِي: هُوَ الَّذِي يَعُدُّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيمَا يَكْرَهُهُ، أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِ فِيمَا يُحِبُّهُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: يَا ابْنَ آدَمَ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ فِيمَا تَكْرَهُ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْكَ فِيمَا تُحِبُّ.








وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة: 216].








وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: ارْضَ عَنِ اللَّهِ فِي جَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ بِكَ. فَإِنَّهُ مَا مَنَعَكَ إِلَّا لِيُعْطِيَكَ. وَلَا ابْتَلَاكَ إِلَّا لِيُعَافِيَكَ. وَلَا أَمْرَضَكَ إِلَّا لِيَشْفِيَكَ. وَلَا أَمَاتَكَ إِلَّا لِيُحْيِيَكَ. فَإِيَّاكَ أَنْ تُفَارِقَ الرِّضَا عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ. فَتَسْقُطَ مِنْ عَيْنِهِ.








نسأل الله السلامة والعافية.














اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...


الساعة الآن 02:53 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM