مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 39)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 38)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=347637 ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ فِيهَا فَرَّقَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ جُيُوشًا كَثِيرَةً فِي أَطْرَافِ مُعَامَلَاتِ ( وِلايات ) عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَأَى بَعْدَ أَنْ وَلَّاهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ الْخِلَافَةَ بَعْدَ اتِّفَاقِهِ هُوَ وَأَبُو مُوسَى عَلَى خَلْعِ عَلِيٍّ وَعَزْلِهِ عَنِ الْأَمْرِ , أَنَّ وِلَايَتَهُ صَحِيحَةٌ , وَقَدْ وَقَعَتِ الْمَوْقِعَ , فَهُوَ الَّذِي تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ , وَلِأَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ قَدْ خَالَفُوا عَلِيًّا , فَلَا يُطِيعُونَهُ , وَلَا يَأْتَمِرُونَ بِأَمْرِهِ , فَلَا يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَتِهِ مَقْصُودُ الْوِلَايَةِ وَالْإِمَارَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ , فَأَنَا أَوْلَى مِنْهُ ; إِذْ كَانَتْ كَلِمَةُ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ مُجْتَمِعَةً عَلَيَّ , وَهُمْ طَائِعُونَ لِي , يَأْتَمِرُونَ بِأَمْرِي , وَكَلِمَتِي نَافِذَةٌ فِيهِمْ . فَعِنْدَ ذَلِكَ جَهَّزَ مُعَاوِيَةُ الْجُيُوشَ إِلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَةِ عَلِيٍّ , فَكَانَ مِمَّنْ بَعَثَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ : النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ ررر فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ إِلَى عَيْنِ التَّمْرِ , وَعَلَيْهَا مَالِكُ بْنُ كَعْبٍ فِي أَلْفِ فَارِسٍ مَسْلَحَةً (جنودا ) لِعَلِيٍّ , فَلَمَّا سَمِعُوا بِقُدُومِ الشَّامِيِّينَ , ارْفَضُّوا عَنْهُ ( هربوا ) فَلَمْ يَبْقَ مَعَ مَالِكٍ إِلَّا مِائَةُ رَجُلٍ , فَكَتَبَ مَالِكٌ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ يُخْبِرُهُ بِأَمْرِ النُّعْمَانِ , فَنَدَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ إِلَى إِغَاثَةِ مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ , فَتَثَاقَلُوا عَلَيْهِ وَنَكَلُوا , وَلَمْ يُجِيبُوا إِلَى الْخُرُوجِ فَخَطَبَهُمْ عَلِيٌّ عِنْدَ ذَلِكَ , فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ : يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ , كُلَّمَا سَمِعْتُمْ بِمِنْسَرٍ ( جيش ) مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ قَدْ أَظَلَّكُمُ , انْجَحَرَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ فِي بَيْتِهِ , وَغَلَّقَ عَلَيْهِ بَابَهُ , انْجِحَارَ الضَّبِّ فِي جُحْرِهِ , وَالضَّبُعِ فِي وِجَارِهِ , الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ , وَمَنْ فَازَ بِكُمْ , فَازَ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ , لَا أَحْرَارٌ عِنْدَ النِّدَاءِ , وَلَا إِخْوَانٌ ثِقَةٌ عِنْدَ النَّجَاءِ , إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , مَاذَا مُنِيتُ بِهِ مِنْكُمْ ؟ , عُمْيٌ لَا تُبْصِرُونَ , وَبُكْمٌ لَا تَنْطِقُونَ , وَصُمٌّ لَا تَسْمَعُونَ , إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . وَدَهَمَهُمُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ فِي أَلْفَيْ مُقَاتِلٍ , وَلَيْسَ مَعَ مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ إِلَّا مِائَةُ رَجُلٍ , قَدْ كَسَرُوا جُفُونَ سُيُوفِهُمْ وَاسْتَقْتَلُوا ( طلبوا الموت ) , فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ نَجْدَةٌ مِنْ جِهَةِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ مَعَ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِخْنَفٍ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا , فَلَمَّا رَآهُمُ الشَّامِيُّونَ , ظَنُّوا أَنَّهُمْ مَدَدٌ عَظِيمٌ , فَفَرُّوا هِرَابًا عَلَى وُجُوهِهِمْ , فَاتَّبَعَهُمْ مَالِكُ بْنُ كَعْبٍ فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ أَنْفُسٍ , وَذَهَبَ الْبَاقُونَ لَا يَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى قَدِمُوا الشَّامَ , وَلَمْ يَتِمَّ لَهُمْ مَا رَجَوْا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ . وَفِي هذه السنة بَعَثَ مُعَاوِيَةُ سُفْيَانَ بْنَ عَوْفٍ فِي سِتَّةِ آلَافٍ إِلَى هِيتْ , فَيُغِيرُ عَلَيْهَا , ثُمَّ يَأْتِي الْأَنْبَارَ وَالْمَدَائِنَ . فَسَارَ سُفْيَانُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى هِيتَ , فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا ( جنودا ) ثُمَّ أَتَى الْأَنْبَارَ وَبِهَا مَسْلَحَةٌ لِعَلِيٍّ , نَحْوٌ مَنْ خَمْسِمِائَةٍ , فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا إِلَّا مِائَةُ رَجُلٍ , فَقَاتَلُوا مَعَ قِلَّتِهِمْ وَصَبَرُوا , حَتَّى قُتِلَ أَمِيرُهُمْ - وَهُوَ أَشْرَسُ بْنُ حَسَّانَ الْبَكْرِيُّ - فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ , وَاحْتَمَلَ الشَّامِيُّونَ مَا كَانَ بِالْأَنْبَارِ مِنَ الْأَمْوَالِ , وَكَرُّوا رَاجِعِينَ إِلَى الشَّامِ , فَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا مَا جَرَى لِأَهْلِ الْأَنْبَارِ , رَكِبَ بِنَفْسِهِ فَنَزَلَ بِالنُّخَيْلَةِ , فَقَالَ لَهُ النَّاسُ : نَحْنُ نَكْفِيكَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا تَكْفُونَنِي , وَلَا أَنْفُسَكُمْ , وَسَرَّحَ ( أرسل ) عَلِيٌّ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ فِي أَثَرِ الْقَوْمِ ( جيش سُفْيَانَ بْنَ عَوْفٍ ) فَسَارَ وَرَاءَهُمْ حَتَّى بَلَغَ هِيتَ , فَلَمْ يَلْحَقْهُمْ , فَرَجَعَ . وَفِي هذه السنة بَعَثَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيَّ فِي أَلْفٍ وَسَبْعِمِائَةٍ إِلَى تَيْمَاءَ , وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَدِّقَ أَهْلَ الْبَوَادِي ( يأخذ منهم الزكاة ) وَمَنِ امْتَنَعَ مِنْ إِعْطَائِهِ فَلْيَقْتُلْهُ , ثُمَّ يَأْتِي الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ وَالْحِجَازَ . فَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى تَيْمَاءَ , وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ بَشَرٌ كَثِيرٌ , فَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا خَبَرُهُ , بَعَثَ الْمُسَيَّبَ بْنَ نَجَبَةَ الْفَزَارِيَّ فِي أَلْفَيْ رَجُلٍ , فَالْتَقَوْا بِتَيْمَاءَ , فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ , وَحَمَلَ الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ عَلَى ابْنِ مَسْعَدَةَ فَضَرَبَهُ ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ قَتْلَهُ , بَلْ يَقُولُ لَهُ : النَّجَاءَ النَّجَاءَ . فَانْحَازَ ابْنُ مَسْعَدَةَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ قَوْمِهِ إِلَى حِصْنٍ هُنَاكَ , فَتَحَصَّنُوا بِهِ , وَهَرَبَ بَقِيَّتُهُمْ إِلَى الشَّامِ . وَانْتَهَبَتِ الْأَعْرَابُ مَا كَانَ جَمَعَهَ ابْنُ مَسْعَدَةَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ , وَحَاصَرَهُمُ الْمُسَيَّبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , ثُمَّ أَلْقَى الْحَطَبَ عَلَى الْبَابِ , وَأَلْهَبَ فِيهِ النَّارَ , فَلَمَّا أَحَسُّوا بِالْهَلَاكِ أَشْرَفُوا مِنَ الْحِصْنِ , وَمَتُّوا إِلَيْهِ بِأَنَّهُمْ مِنْ قَوْمِهِ , فَرَقَّ لَهُمْ وَأَطْفَأَ النَّارَ , فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ فَتَحُوا بَابَ الْحِصْنِ , وَخَرَجُوا مِنْهُ هِرَابًا إِلَى الشَّامِ , فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَبِيبٍ لِلْمُسَيَّبِ بْنِ نَجَبَةَ : سَرِّحْنِي أَلْحَقْهُمْ . فَقَالَ: لَا . فَقَالَ له : غَشَشْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( علي ) وَدَاهَنْتَ فِي أَمْرِهِمْ . وَفِيهَا وَجَّهَ مُعَاوِيَةُ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ , وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أَطْرَافِ جَيْشِ عَلِيٍّ , فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ , فَالْتَقَوْا بِتَدْمُرَ , فَقَتَلَ حُجْرٌ مِنْ أَصْحَابِ الضَّحَّاكَ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا , وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ حُجْرٍ رَجُلَانِ , وَغَشِيَهُمُ اللَّيْلُ , فَتَفَرَّقُوا وَانْشَمَرَ الضَّحَّاكَ بِأَصْحَابِهِ فَارًّا إِلَى الشَّامِ . وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْمَوْسِمِ ( الحج ) وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ يَزِيدَ بْنَ شَجَرَةَ الرَّهَاوِيَّ لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ , فَلَمَّا اجْتَمَعَا بِمَكَّةَ تَنَازَعَا , وَأَبَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ لِصَاحِبِهِ , فَاصْطَلَحَا عَلَى شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّ , فَحَجَّ بِالنَّاسِ , وَصَلَّى بِهِمْ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ . |
الساعة الآن 01:19 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM