شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   النهي عن الكبر (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=267683)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 04-12-2016 02:29 PM

النهي عن الكبر
 
النهي عن الكبر


الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل






الحمد لله الذي له العزُّ والكبرياء، والمتعالي على خلقه وله الفضلُ والثناءُ، لا يَعْزبُ عنه مِثقال ذرَّة في الأرض ولا في السَّماء، أحمدُه - سبحانه - وأشكُرُه على نعمه التي لا أحصي لها عدًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الداعي لما فيه الخير، والمحذِّر عمَّا فيه الرَّدى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، نجوم الليالي، ومصابيح الدُّجى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - فبتقواه تحصل لكم السعادة، واحذروا من موجبات العذاب، لتسلموا من أليم عقابه، واعلموا أنَّه ممَّا يجب عليكم اجتنابه الكبر والخُيَلاء، فإنَّ العز والكبرياء لله.

قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35].


وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((العزُّ إزاري والكبرياء ردائي، فمَن ينازعني عذَّبته))[1].

وعن سُراقة بن مالك أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا سُراقة، ألا أخبرك بأهل الجنة وأهل النار))، قال: بلى يا رسول الله، قال: ((أمَّا أهل النار فكلُّ جعظري جوَّاظ مستكبر، وأمَّا أهل الجنَّة الضعفاء المغلوبون))[2].

وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مِثقال ذرَّة من كبر))، فقال رجل: إنَّ الرجل يحبُّ أنْ يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، قال: ((إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال، الكبر بطَر الحق وغمْط الناس))[3]، بطَر الحق: دفعه ورده، وغمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم.

وعن ابن عمر - رضِي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن تعظَّم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان))[4].

وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُحشَر المتكبِّرون يوم القيامة أمثال الذرِّ في صُور الرجال يَغشاهم الذل من كلِّ مكان، فيُساقون إلى سجن في جهنم يقال له: بُولُس، تعلوهم نار الأنيار يُسقَون من عُصارة أهل النار طينةَ الخبال))[5].

فاحذروا - يا عباد الله - من الوقوع فيما يُسخِط الله، واجتنبوا الكِبر والخيلاء، والعُجب بالنفوس والآراء، واعرضوا أعمالكم على كتاب الله وسنَّة نبيِّه، فما وافَق الكتاب والسنَّة فذاك حق، فاعملوا به، واستمرُّوا عليه، وما خالَف الكتاب والسنَّة فاجتَنِبوه، واضربوا به عرض الحائط، فإنَّ فيه الداء والشر والخسران في العاجل والآجل.

عباد الله:
إنَّ النفوس لأمَّارةٌ بالسوء، فكثيرًا ما يَتعاظَم الشخص في نفسه، ويتطاوَل ويغتر برأيه، فاكبحوا جِماحَ النفوس ووطِّنوها بتذكيرها المنشأ والمصير، والثواب والعقاب، فالسعيد مَن حاسب نفسه قبل أنْ يُحاسَب، وتذكَّر الحياة والموت، والعرض والجزاء، واستعدَّ بالأعمال الصالحة، وتزوَّد من التجارة الرابحة، واطلُب من الله التوفيق والثبات.

فانتَبِهوا - رحمكم الله - واحذَرُوا من التهاوُن والوقوع فيما يُسخِط الله، فإنَّ العبد لا يدري متى ينتقل من هذه الدار، وعلى أيِّ حال ينتقل، فنسأل الله التوفيقَ لما يرضيه وحسن الختام.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 13-19].


بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.


أقولُ هذا وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

واعلموا أنَّه قد ابتُلِي بعض الناس بالعجب والخيلاء، ومن ذلك إطالة الملابس من ثِياب وسراويل وبشوت، فتجد الكثيرَ قد أطالَ لبسه يجرُّه خلفه يتبختر، وخُيَلاء وكبر، وقد حذَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عقوبة ذلك فقال في حديثٍ رواه البخاري: ((بينما رجلٌ يتبختر في مِشيته إذ خسَف الله به الأرض))[6].

وفي صحيح البخاري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثةٌ لا يَنظُر الله إليهم يومَ القيامة ولا يُزكِّيهم ولهم عذاب أليم: المسبل والمنَّان والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب))[7].

ومن ذلك الأكل بالشمال والشرب بها؛ قال سلمه بن الأكوع: أكل رجل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله قال: ((كُلْ بيمينك))، قال: لا أستطيع، فقال: ((لا استطعت، ما منعه إلا الكبر))، فما رفعها إلى فيه))[8]؛ رواه مسلم.

فاحذَروا - يا عباد الله - عُقوبات هذه الذنوب في الدنيا والآخرة، والتأسِّي بإبليس.

قال بعض السلف: أوَّل ذنب عُصِي الله به الكبر؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].

وتأسَّوا بنبيِّكم - صلواتُ الله وسلامُه عليه - فقد دلَّكم على ما فيه الخير، وحذَّرَكم عمَّا فيه الشر.


[1] مسلم: [136 - (2620)].

[2] مسند الإمام أحمد: (4/175).

[3] مسلم: [147 - (91)].

[4] مسند الإمام أحمد: (2 /188).

[5] الترمذي: (2492).

[6] البخاري: بنحوه: (5788) - الفتح: 10 /269.

[7] رواه البخاري بمعناه: (2358) - الفتح: 5 /42.

[8] مسلم: [107 - (2021)].








المصدر...


الساعة الآن 11:56 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM