شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   منتدى الفقه (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=447)
-   -   (0131)الجهاد في سبيل الله-المبحث الثالث: إعداد طليعة تتحمل تكاليف الدعوة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=138332)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 06-26-2015 06:23 AM

(0131)الجهاد في سبيل الله-المبحث الثالث: إعداد طليعة تتحمل تكاليف الدعوة
 

كثير من الناس يستجيبون لنداء الحق ولتطبيق هذا الدين على أنفسهم، فينفذون أوامر الله ويجتنبون ما نهى عنه وقد يخلطون عملا صالحا بآخر سيئا.. ولكنْ قليل هم الذين يستجيبون لهذا الدين، فيطبقونه على أنفسهم ويحملون غيرهم من قريب أو بعيد على تطبيقه، بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذل المال والجاه والمنصب في سبيل الله، وتقديم النفس في ساح الوغى لجهاد أعداء الله وإعلاء كلمة الله.

هذا القليل يجب أن يأخذ حظاً أوفر من الدعوة والتوجيه والتزكية والتطهير والإعداد، لتحمل أعباء الدعوة وتكاليفها، ويُعنَى به أكثر من غيره، لأن هذا الصنف هو الذي يثبت وقت الشدائد والمحن وهو الذي يلتف حوله من لم يبلغ مثله في إيمانه وتحمله.

ولولا أن الله تعالى يهيئ لعامة الناس رجالاً يلتفون حولهم ويقتدون بهم، ويرون فيهم ما يجذبهم إلى الثبات معهم، لما كان لأولئك العامة من شأن يذكر بل لكانوا في مهب الرياح أينما تميلها تمل.

لذلك كان من الواجب على الدعاة أن يختاروا ذوي المواهب العالية في العلم والعمل والذكاء والقدرة على الاستيعاب والصبر والجلد والقيادة، يولوهم من العناية ما يأخذ بأيديهم إلى المستوى اللائق بهم ويدربوهم على تحمل مسؤولياتهم كل فيما يظهر أنه أنفع فيه من غيره.

وذلك هو الذي يضمن بتوفيق الله استمرار صفوف الدعاة إلى الله وقادتها، لأن القائد الواحد يربي قادة، والصف يربي صفوفاً، كلما ذهب قائد حل قائد آخر محله، وكلما ذهب صف تقدم إلى مكانه الصف الذي يليه، كما يضمن بقاء الروح الجهادية في النفوس.

ولعل هذا المعنى يظهر شيئاً من حكمة الله تعالى في ابتلاء عباده وتمحيصهم وتصفية صفوف المؤمنين بذلك الابتلاء من عناصر الفساد، حتى يكون الصف المؤمن ثابتاً متراصاً. كما قال سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2-3]. وقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [التوبة:16].

ولما كانت القاعدة الصلبة هي محور الجيش المجاهد، كان لا بد للقائد من اختبار جنوده، ليعلم أشدهم صلابة وأعظمهم شجاعة وإقداماً وإخلاصاً وتوكلاً على الله.. وهذا ما فعله طالوت الذي قال الله عنه: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249].

قال سيد قطب رحمه الله - وهو يقرر ضرورة إعداد هذه القاعدة: "لقد كان الله سبحانه يعلم أن هذا هو المنهج - تعرض الفئة المؤمنة للأذى الطويل - القويم لتربية الجماعة الأولى وتكوين القاعدة الصلبة لهذه العقيدة وأنه بدون هذه المحنة الطويلة لا تصلب الأعواد ولا تثبت للضغوط.. وإن هذه الدرجة من الصلابة والخلوص والتجرد والإصرار والمضي في سبيل الله على الأذى والعذاب والقتل والتنكيل والتشريد والتجويع وقلة العدد وانعدام النصير الأرضي، إن هذه الدرجة هي وحدها التي تصلح للقاعدة الأصيلة الثابتة عند نقطة الانطلاق... إنه ابتداء يجب توجيه الحرص كله لإقامة القاعدة الصلبة من المؤمنين الخلص الذين تصهرهم المحنة فيثبتون عليها.. والعناية بتربيتهم تربية إيمانية عميقة تزيدهم صلابة وقوة ووعياً، ذلك مع الحذر الشديد من التوسع الأفقي قبل الاطمئنان إلى قيام هذه القاعدة الصلبة الخالصة الواعية المستنيرة. فالتوسع الأفقي قبل قيام هذه القاعدة، خطر ماحق يهدد وجود أية حركة لا تسلك طريقة الدعوة الأولى من هذه الناحية ولا تراعي طبيعة المنهج الحركي الرباني النبوي الذي سارت عليه الجماعة الأولى". [في ظلال القرآن (10/1577)].

وأجمل ذلك في مكان آخر بقوله: "لقد قامت كل عقيدة بالصفوة المختارة لا بالزبد الذي يذهب جفاء ولا بالهشيم الذي تذروه الرياح". [في ظلال القرآن 1618].

وهذا الإعداد يكون بتقوية الإيمان وتزكية الأخلاق الفاضلة وكثرة الطاعة لله ولرسوله، والبعد عن المعصية والتوعية الكاملة والفقه في الدين ومعرفة مشكلات العصر وحلها، والتدريب العملي على البذل والإنفاق وإيثار الدعوة الإسلامية بالنفس والنفيس والإخلاص الكامل والتجرد لله وحده.

وهذا الإعداد مع صعوبته وطول مدته التي تحتاج إلى صبر وجلد، خير من العجلة في جمع جماهير ذوي عواطف تبهج النفس.. وتنعشها عواطف يظهر أصحابها الطاعة والحب والتفاني في سبيل العقيدة ولكن وقت الرخاء..أما وقت الشدة فإنها كما قال سيد قطب آنفاً: "الزبد الذي يذهب جفاء والهشيم الذي تذروه الرياح".

وليس معنى هذا إهمال عامة الناس عن إيصال دعوة الله إليهم، فهذا أمر مرفوض في شرع الله، لأن الله تعالى أمر العلماء والدعاة بتبليغ رسالات الله إلى الناس كلهم، كما أمر بذلك الرسول صَلى الله عليه وسلم، يبلغ كل من قدر على تبليغه، ولكنه كان يصطفي رجال الدعوة الذين يعلم أنهم أهل لحملها فيقربهم منه، ويتخذهم بطانة ووزراء يحملهم من تكاليف الدعوة والجهاد ما لم يكلف غيرهم.


المصدر...


الساعة الآن 04:42 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM