شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   التحذير من هجر القرآن (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=267696)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 04-12-2016 02:29 PM

التحذير من هجر القرآن
 
التحذير من هجر القرآن


الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم






﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴾ [الكهف: 1، 2]، وأشهد أن لا إله إلا الله، أنزل القرآن هدى للناس يؤمنون به ويَحتكِمون إليه، وكلامًا لا يُبدَّل ولا يُغيَّر: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي الإسلام، ورسول القرآن، وهو القائل: ((تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تَضِلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسُنَّتي))، وحذَّرَنا من هجْر القرآن؛ حتى لا نكون عُرْضة لعذاب الله وعقابه.

صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه الذين حفِظوا القرآن وعمِلوا به في أنفسهم وأهليهم، ففازوا بالسعادتين في الدنيا والآخرة ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18].

أما بعد، فيا أيها الناس:
اتقوا الله تعالى وآمِنوا به وبكتابه وبرسوله وبما جاء في سُنَّته، يؤتِكم كِفْلين من رحمته ويجعل لكم نورًا تمشون به ويغفر لكم، والله غفور رحيم.

أيها المسلمون:
لقد مَنَّ الله علينا بنِبراس لا يُطفأ نورُه أبدًا، سعِد به مَن سعد، وشقي به من شقي، إن هذا النبراس هو حبل الله المتين، طرفه في أيديكم والطرف الآخر في السماء، ما أُنزل إلا لكم، فما لنا عنه غافلون، ولغيره متوجِّهون؟ وكأن المقصود به غيرنا، وكأن المخاطَب به سِوانا، وكأننا لم نؤمن بهدايته، ولم نعلم بغايته، ونحن نعرف أنه ما ضَلَّ مَن تَمسَّك به؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ [آل عمران: 103]، وإن لدينا - أيها المسلمون - هذه النعمة، إن لم نَرْعها ونُعْطها حقَّها، ألَمَّ بنا الخطرُ وداهمتْنا جيوشه، وأحاطت بنا خطيئاتنا، أتدرون ما هذه النعمة؟ هي القرآن الكريم، هي الكتاب المنزَّل، هي الشفاء لكل داء، هي الرحمة، هي الربح؛ قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]، القرآن هو الهدى، هو المنة من الله على خَلْقه - فلله الحمد والمنة - هو تزكية النفوس، هو الحكمة؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، فيا لها من نعمة ما أجلَّها! فيها جلاء صدأ القلوب وغمامة البصيرة، وفيها حِفْظ العقول، وحِفْظ الأعراض، وحفظ الأموال، وحفظ الأبدان، فحينما نتقبَّلها ونعمل بما احتوى عليه هذا القرآن، حفِظتْ لنا هذه الأمور التي لا بد للخلق منها، ولا يمكن لمجتمع أن يعيش بدون سلامتها، وحينما يَهجُر القرآنَ أيُّ مسلم أو أي مجتمع، فالهلاك مآله، والدمار مصيره، ومرض القلوب مُلازِمُه، وعُقَد النفوس تتوارَدُه، والأهواء تتجاذَبُه، وشياطينه تتنازَعُه.

أيها المسلمون:
لقد شكا الرسول صلى الله عليه وسلم قومَه إلى ربه لما هَجَروا القرآن؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]، فاحذروا مَن هَجْر القرآن بأي نوع من أنواع الهِجران، فلقد خاب وخَسِر من كان الله ورسوله خَصْمه.

والهجر أنواع: هجر سماعه والإيمان به، وعدم الإصغاء إليه؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26].

ثانيًا: هجر العمل به، وعدم الوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمَن به، وهجرُ التداوي به؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 44]، فمَن ترَك التداوي به، طلَبه من غيره، ومعلوم أن الدواء إذا لم يُوافِق الداءَ لم ينفع، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به، وكل هذا داخلٌ في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].

أيها المسلم، أيها المؤمن بالله، الموحِّد، أيها المؤمن بالله واليوم الآخر، أناشدك بالله الذي لا إله غيره الذي آمنتَ به وباليوم الآخر؛ رجاء ثوابه، وخوف عقابه، ألا تَهجُر هذا القرآن، اقرأه، واسمعه من غيرك، فهو الميسَّر للذِّكر، لمن صلَحت نيَّتُه، وطابت سريرتُه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، والله ما أنزل هذا القرآن إلا لنُؤمن بمتشابهه، ونُحِل حلالَه، ونُحرِّم حرامَه، ونُحكِّمه في نفوسنا، وفي أموالنا، وفي كل مجالاتنا ومعاملاتنا، في خَلواتنا واجتماعاتنا لنا وعلينا، والحذر كل الحذر أن تُحكِّمه - أيها الإنسان - فيما هو لك، وتُعرِض عما هو عليك؛ فهذا شأن المنافقين الذين قال الله فيهم: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 48 - 52].

أيها المسلمون:
مَن منا راجع نفسَه وفتَّش عن معايبِه ومثالبِه، فنفض الغبار عن عينيه، وجعل القرآن له مرافقًا، بعد أن كان له هاجرًا؛ يستشفي ويتداوى به، ويتدبَّره ويَستبشِر إذا سمعه ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [التوبة: 124]، هل منا مَن راجَع نفسه؟ هل يشمئز من ذِكْر الله ومن القرآن؟ ليَعرِف أنه من الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويزداد معرفة لنفسه حينما يراها تستبشِر بذكر ما دونه، وتَجِد هذا في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: 45].

أسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن يشفي قلوبنا من أمراضها، وأن يجلوَ ما عليها من الظلمة بنور كتابه، وأن يجعلنا من أنصاره.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين، ومَن تَبِعه بإحسان إلى يوم الدين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.






المصدر...


الساعة الآن 07:53 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM