شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   في الحث على الصلاة وملاحظة الأولاد (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=269594)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 04-28-2016 07:05 AM

في الحث على الصلاة وملاحظة الأولاد
 
في الحث على الصلاة وملاحظة الأولاد
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل






الحمدُ لله نحمَدُه، ونستَعِينه ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، دعا أمَّته لما فيه سَعادتها، وحذَّرَها من النار، صلَّى لله عليه وعلى آله وصَحابته، الممتثلين لأوامره، والمجتنبين لنواهيه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله في أنفسكم وفيمَن تحت أيديكم من الأهل والأولاد، فقد أهمل الكثير أهله وأولاده، وأضاع أمانته فيهم، يخرج الابن من البيت يمتَطِي سيَّارته الفارهة، يذهب إلى ما يريد، ويجتمع بمَن يريد، ويُذهِب جلَّ أوقاته فيما يعودُ عليه بالضرر في دِينه ودُنياه، قلَّ اهتِمامه بالصلاة، وربما تركها بالكلية، ونبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - يقول: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاةُ، فمَن تركها فقد كفر))؛ رواه أحمد والنسائي.

يعكف الكثير على الملاهي، ويغرق في بحر اللهو واللعب من أوَّل الليل إلى قُبَيل الفجر، وربما كان في منزل الوالد، وعلى مرأى ومسمع منه، وقد اجتمع بالفسَّاق من أمثاله، جُلَساء السوء الذين وصفهم نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - بأبشع وصْف، بخِلاف الجليس الصالح الذي وصَفَه سيِّد البشر- صلوات الله وسلامه عليه - بأطيب وصف فقال: ((مثَل الجليس الصالح كحامل المسك؛ إمَّا أنْ يحذيك، وإمَّا أنْ تبتاع منه، وإمَّا أنْ تجد منه رائحة طيِّبة، والجليس السوء كنافِخ الكير؛ إمَّا أنْ يحرق ثيابك، وإمَّا أنْ تجد منه رائحةً كريهة))، فالجليس السوء كموقد النار لا بُدَّ أنْ يَنال مَن قرب منها أذًى، وما أكثر جُلَساء السوء اليوم! وما أعظم ضررهم!

كما أنَّ البنت تخرج إلى السُّوق وكأنَّها تعرض نفسها، تلفُّ في الأسواق، وتنتقل من معرضٍ إلى معرضٍ، والذئاب الجائعة من الشباب المتسكِّع في الأسواق يلفُّ هو الأخَر ويَدُور حول اللحوم المكشوفة، ويرسل النظرات الجائعة، والأولياء في غفلةٍ وانشغال بأمور الدنيا، قد فقَدُوا الغيرة على المحارم، والإحساس بالمسؤولية، وتناسَوْا فلذات الأكباد، والغرس المنتظَر ثمره، وما يبقى بعد الممات من عملٍ وهو الولد الصالح يدعو له؛ فقد أخبر نبينا - صلوات الله وسلامه عليه - فقال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمَلُه إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتَفع به، أو ولد صالح يدعو له))[1].

فكيف يهمل مَن يدَّعِي العقل هذا الثمر وهذا الكنز، ولا يحسُّ بهذا الإهمال، إنَّها المصيبة تِلو المصيبة إهمالٌ وتفريطٌ وعدم إحساس بالمصائب، وتوفيرٌ لوسائل الهدم والتدمير، وفساد الأخلاق وقتْل المروءات، وذهاب الشِّيَم وضَياع الأوقات.

لقد أُصِيبت البيوت والأُسَر بما دبَّ إليها من داء الأمم وسُموم الأعداء، وقلَّ الإحساس من كثْرة تقبُّل ما يعرضه الأعداء، دون فحص وتمحيص، وعدم تفكير في العواقب والنتائج، ومن المأسوف له أنَّ المواعظ تتَوالَى دون اتِّعاظ، وكأنَّ ما يُصِيب الغير خاصٌّ به.

فيا عباد الله:
إنَّنا في حاجةٍ إلى اليقَظَة والانتباه، ومحاسبة النُّفوس، وإصلاح ما فسد، ومعالجة ما مرض، إنَّ التألُّم والتلاوم لا يُجدِي شيئًا، وإلقاء المسؤوليَّة على أفرادٍ مخصوصين لا يعفينا من الواجب؛ يقول نبينا - صلوات الله وسلامه عليه -: ((كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته؛ الإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيَّتها، والخادم راعٍ في مال سيِّده ومسؤولٌ عن رعيَّته، وكلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته)).

فيا عباد الله:
الكلُّ مسؤولٌ، وفي عنقه أمانة، وعليه واجب لا بُدَّ أنْ يُؤدِّيه، والحياة لا بُدَّ فيها من رُعاةٍ يرعون مصالح العباد والبلاد، كلٌّ بقدره وعظيم مسؤوليَّته، ومتى حصل التعاوُن من الجميع، وأحسَّ كلُّ راعٍ بواجبه ومسؤوليَّته، وقام بذلك على الوجه المطلوب، فإنَّ الأمور تسيرُ على نظامها الصحيح والسليم، ومتى أهمل راعٍ رعيَّته، أو غفل عن شيءٍ من أمورها، ولم يحطْها بسياج منيع - فإنها تكون عرضةً للافتراس والتشتُّت والأمراض الفتَّاكة.

فما أحوَجَنا إلى اليقَظَة والانتباه، والإحساس بالواجب، والصدق في ذلك، وتذكُّر العقوبات المشرئبة على الإهمال والإضاعة؛ يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

بارَك الله لي ولكُم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم، إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

أقول هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

واعلَموا أنَّه لا أحدَ يرضى لنفسه ولا لِمَن تحت يده من الأهل والأولاد بالضرر والآلام، ولو أُصِيب أحد أفراد أسرته بمرض أو إصابة في أمور دُنياه لسَعَى وبذل الغالي والرخيص في علاجه وإزالة الضرر عنه، وإنْ كان ذلك وقْتيًّا، وفي دارٍ تنقضي، فما بال الكثير من الأولياء لا يحسُّون بما يُصِيب أهليهم من مصائب في أمور دِينهم، وما يترتَّب على ذلك من عُقوبات في الدُّنيا والآخِرة! لو أُصِيب الابن بأقلِّ مرض لسارَعَ الوالد به إلى المستشفى، وبذل المال في علاجه، وشراء الدواء له، وأوصى الطبيب بالعِناية به، ولكنْ لو ترك الصلاة أو تكاسل عنها، أو اختلط بالأشرار والفُسَّاق، وشرب الخمور، وتعاطى المسكرات - لوجدنا القليل من الآباء يحاول إنقاذ ابنه ممَّا وقع فيه، أو علاجه ممَّا أصابَه، إنها مصيبةٌ أنْ يحسَّ بالآلام الوقتيَّة في هذه الدار الفانية، ولا يُبالِي بعُقوبات الآخِرة، إنَّها خِيانةٌ وضَياع أمانة من الأولياء الذين لا يهتمُّون إلا بآلام الدنيا ويغفلون عن آلام الآخِرة وعُقوباتها، فاتَّقوا الله يا عباد الله، وارجِعُوا إلى الله، واعلَموا أنَّ كلَّ فردٍ على ثغرٍ من ثُغُور الإسلام، فإيَّاه أنْ يُؤتى الإسلام من قِبَله.



[1] مسلم: [14 - (1631)] بنحوه.








المصدر...


الساعة الآن 10:02 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM